الفلسفة

مصادر الإلزام الخلقي والمسؤولية الأخلاقية

 هنــاك عدة مصادر للإلزام الخلقي والمســؤولية الأخلاقية يمكن تصنيفهــا إلى مجموعتين: مصادر داخليــة وأخرى خارجية. فالداخلية هي الضمير الذي يمثل القوة العقلية، والوجدانية التي تلزم الإنســان بفعــل الخير، وتنهاه عن فعل الشــر. أما الخارجيــة فهي خارجة عن الذات الإنســانية ولكنها مرتبطة بها وعنصر من عناصر تكوينها، وتتمثل في المجتمع بعاداته، وتقاليده، والدين بشــرائعه وتعاليمه، وســوف ّ نفصل ذلك فيما يلي:

أولا .. الضمير

 أ – تعريــف الضمير: 

يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الضميــر ملكة عقلية خالصة تعمل على ّع له القوانين الأخلاقية التي تتفق مع ما يقتضيه إقرار النظام في الميدان العملي لدى الفرد، فتشر واجبه كإنسان، ثم تأمره بتنفيذها. أما بالنسبة لأنصار النزعة العاطفية، فالضمير حاسة خلقية قائمة بذاتهــا وكامنة في أعماقنا كغريزة أودعها االله فينا، تجعلنا نشــعر بالخير وتأمرنا بفعله، وبالشــر وتنهانا عنه.

 ب – مكونات الضمير: 

 يتكون الضمير من عدة جوانب: 

(١) جانب إدراكي: وهذا الجانب يعتبره بعضهم ً فطريا وبه يعرف الإنسان الخير والشر مباشرة وبدون اســتدلال، أي أن الضمير لديه القدرة على الإدراك العقلي المباشر بشكل حدسي ّر عن الخير أو الشر في ذاتية هذا الفعل. لما يحمله الفعل الإنساني من قيمة خلقية تعب 

(٢) جانب ّ نفســي: وهنا نجد أن الضمير يتكون بفعل مجموعة مؤثرات نفسية تقع على الفرد من خلال تربيته وبيئته ومكونات شخصيته وأبعادها، فيتبلور وجدانه وانفعاله تجاه الأفعال حيث يستحسن ً فعلا أو يستقبح آخر أو يشعر بالارتياح والرضا من فعل ويشعر بالتأنيب والندم من فعل آخر. 

(٣ ) جانــب اجتماعي: وهذا الجانــب يمثل مجموعة الضغوط الاجتماعيــة وتفاعلات الفرد مــع البيئة والمجتمع الذي هو فيه بما يتضمنه هــذا المجتمع من عناصر ثقافية كالعادات والتقاليــد والقيم والمفاهيم والأعراف والمعتقدات الدينية والمكونات الحضارية. كل هذا ينعكــس على الفــرد حين يتفاعل مع المجتمع ّ فتتكون لديــه حصيلة من المبادئ والقيم والمفاهيم لمعنى الخير والشر. 

جـ – وظيفة الضمير: 

تتحدد وظيفة الضمير على أساس ما سبق ذكره حين تحدثنا عن طبيعته الإدراكية والنفســية والاجتماعية، فهو الذي يشكل أســاس الإلـزام الخلقي لدينا حين يحكم على الفعل بأنه صواب أو خطأ، وكذلك حين يوقع الجزاء المناســب، سواء على هيئة هدوء نفسي وراحة وطمأنينة، أو في شــكل تأنيب وقلق، وهو الذي يقوم بتوجيه سلوك الإنسان على ضوء معرفته بالنية السابقة على الفعل. 

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوظيفة للضمير تتوقف على توفر مجموعة شروط تتحدد المسؤولية الأخلاقية على أساسها وهذه الشروط هي:

 ١ – القدرة على إدراك الخير والشــر:

 وهذه القدرة تجعل الإنسان يميز بين فعل الخير وفعل الشر.

 ٢ – حرية الإرادة والقدرة على اختيار الفعل بدون قيد أو ضغط خارجي أو داخلي.

 ٣ – القدرة على أداء العمل وهذه القدرة قد تكون بدنية أو عقلية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك مما يحول دون توافر شروط المسؤولية الأخلاقية. وحين تتوافر الشــروط المذكورة يقوم الضمير بتوقيع الجزاء الداخلي على الإنســان على اعتبار أنه يمثل ســلطة داخلية للإلزام الخلقي. وهذا الجزاء يكون إما بشــكل رضا أو ارتياح نفسي أو بشكل تأنيب أو ندم كما ذكرنا.

ثانيا .. الدين:

ونقصد بالدين، الأديان الســماوية المنزلة ســواء كانت اليهودية أو المســيحية أو الإسلام. ولما كان ّ عما هو شــر فــإن الأوامر والنواهي االله ســبحانه وتعالــى خيراً بذاته لا يأمر إلا بما هو خير، ولاينهى إلا َى بها تشــكل الأســاس للإلزام الخلقي والالتزام بالسلوك الأخلاقي ويستمد الدين قدرته الإلزامية ُوح الم من الجزاءات التي يوقعها على الفاعل والمتمثلة في الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. 

لكن ذلك يتوقف على توافر شروط، لكي يكون في الإمكان توقيع الجزاء الخلقي وشروط المسؤولية الأخلاقية هي: 

١ – توافر النيّة باعتبار أنها المناط الأول والأخير لتكليف الإنسان في فعل الخير وتجنب الشر.

٢ – القدرة على الإدراك السليم الذي يستطيع الإنسان بموجبه التمييز بين الخير والشر. 

٣ – توافر الحرية في الاختيار للعمل وفق الإدراك والنية. 

وإذا توافرت هذه الشــروط تكون المســؤولية الأخلاقية قد اكتملت أركانها في إطار الدين ويترتب عليها الجزاءات الدينية التي أشرنا إليها قبل قليل.

ثالثا.. المجتمع:

يرى أصحاب المدرســة الاجتماعية فــي الأخلاق (دوركايم وأنصــاره) أن القيم الأخلاقية تتحدد ويصبح لها معنى فقط في المجتمع. فالجماعة هي التي تضع القوانين الخلقية مستوحية ذلك من تجاربها التاريخية وممارســاتها التي تراكمت عبر الأجيال، فشــكلت بمرور الوقت ً موروثا ً أخلاقيا ينهل منه كل واحد من أفرادها. وبالتدريج يتحول هذا الموروث إلى سلطة ضاغطة تصبح مصدر إلزام للفرد، فلا يعود يتصرف إلا وفق قيم الجماعة وتقاليدها.  

شروط المسئولية الأخلاقية:

تتحدد مسئولية الفرد في نظر المجتمع على الأسس التالية: 

١ – نتائج الأفعال التي يقوم بها الفرد من حيث نفعها أو ضررها للمجتمع. 

٢ – توافر الإدراك السليم للتمييز بين الخير والشر، والقدرة على ّ التبصر بنتائج الفعل ً مسبقا. 

٣ – توافر قدر من الحرية على العمل في حدود مفهوم الخير والشر. 

وعندما تكتمل هذه الشروط للفعل الأخلاقي تكون المسؤولية الأخلاقية قد اكتملت أركانها، ويترتب عليها الجزاءات التالية: 

١ – الاستحسان أو الاستهجان الذي يلقاه الفرد من قبل المجتمع بالنسبة لنتائج الفعل. 

٢ – الجزاء القانوني الذي تنص عليه التشريعات القانونية.

 

 

© موقع كنز العلوم.  جميع الحقوق محفوظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى