تاريخعمان

الإمامة في عُمان

الإمامة في عُمان تأليف :جون ولكنسون مؤلف هذا الكتاب جون ولكنسون مؤرخ وجغرافي بريطاني، عمل مهندساً في شركات البترول في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ما لبث أن تخصص بدراسة منطقة الشرق الأوسط وأنجز العديد من المؤلفات الهامة مثل: منظومة الأفلاج في عمان1974م، الماء والمستوطنات في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية 1981م، البحرين عبر السنين 1983م، قصة رسم بريطانيا للحدود في الصحراء 1991م، وقد استند ولكنسون في كتابه هذا (الإمامة في عمان) على المراجع العمانية بشكل أساسي، وقد أثرته بتفاصيل عن نشأة الإمامة وتاريخها وفترات ازدهارها وانحطاطها.

كانت الإمامة دائماً مؤسسة مرتبطة بالسلالات الحاكمة بشكل أو بآخر، وهي مصدر المرجعية الدينية للعشيرة أو الأسرة الراغبة في توحيد الدولة القبلية، ومن أشهر السلالات الحاكمة التي استمرت في الحكم فترات طويلة آل الجلندي، الخروص، اليحمد، النباهنة، اليعاربة، البوسعيديون.

الإمام الأول كان من أسرة الجلندي التي تبوأ شيوخها قيادة اتحاد أزد شنوءة في اليمن، ولكن بعد نصف قرن من المحاولة الأولى لتأسيس الإمامة الإباضية أطاح العلماء الإباضيون بحكم آل الجلندي مستغلين في ذلك التنافس القبلي.

بعد تداول فرع اليحمد الذي تشمل عشائره: الخروص، وآل الخليل ـ سلطة الإمامة كان دستور تقسيم السلطة ولكن بشكل غير رسمي؛ إذ منح العلماء من بني سامة القبيلة النزارية الرئيسية في مناطق عمان الداخلية حق الاختيار الفعلي للإمام، وأقرت قاعدة إقامة الإمام في نزوى وليس في موطنه، وذلك أدى إلى توحيد الأقاليم الواقعة على أطراف الجبال مثل: الجوف في إقليم نزوى، السر في منطقة عبري، توام في البريمي ـ مع جداف الأوسط في منطقة الرستاق المسيطرة على ساحل الباطنة.

وبسبب التوزيع القديم غير الرسمي للسلطة تزايدت المنافسة على القدرات الاقتصادية، واشتعلت الحرب الأهلية التي عجلت بنهاية مئة عام من العصر الذهبي لفترة الإمامة الأولى في نهاية القرن التاسع الميلادي، وصور ذلك الصراع قبلياً على أنه صراع اليمانية ضد النزارية، أما في الواقع فقد كان صراع القلب والمحيط.

في القرن الحادي عشر بدأ الإحساس القوي بالهوية عند سكان المناطق الجبلية يتكون من جديد عن طريق إحياء تقليد الإمامة الإباضية ما أدى إلى توحيد البلاد من جديد ولكنها هذه المرة بنيت على أساس قبلي ضيق . فاشتعل فتيل الحرب الأهلية، إذ كان حزب الرستاق المهيمن يتصف بالتجمد والتعصب في محاولاته لإقصاء أتباع التعاليم المعتدلة والعملية في حزب نزوى المنافس (البراءة).

وحاول أهل نزوى إعادة توحيد البلاد بنبذ عدائهم التقليدي لمن تسببوا في اشتعال الحرب الأهلية وما تلاها من احتلال أجنبي. لقد كان توحيد عمان يمثل الهدف العاجل فقط، ثم ما لبث أن وقع الساحل تحت السيطرة الأجنبية، وماتت الحركة الإباضية التي لم يسبق أن شهدت مثل هذا النشاط إلا في منتصف القرن الحادي عشر.

في عام 1913 عادت الإمامة في المناطق الداخلية عن طريق الوحدة الجزئية بين طائفة الغافرية وطائفة الهناوية، وتولى الإمامة سالم بن راشد الخروصي حتى 1920 ثم اغتيل، وجاء بعده محمد بن عبدالله الخليلي واستمر حتى عام 1954. وساند البريطانيون السلطان في مسقط، وتمكنوا في عام 1920 من التوصل إلى اتفاقية السيب الرسمية التي فصلت بشكل غامض بين سلطة سلطان مسقط وعمان، وسلطة من نصب نفسه إماماً على المسلمين، فاقتصرت الإمامة بذلك على المناطق الداخلية.

واختلفت إمامة القرن العشرين عن سابقتها الحقيقية بأنّ قادتها زعماء وسطيون وليسوا مختارين. ونما الفكر الإباضي، وفق النموذج التاريخي الطبيعي والسوابق المنطقية، وتأثر التاريخ الفعلي للإمامة الأخيرة في عمان بعنصرين من عناصر الاستمرارية: الإحساس بالهوية الإقليمية، والنظام القبلي المنظم للمجتمع وأنشطته.

عمان جزيرة محاطة بالخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب وبحر كبير من الرمال يعرف باسم الربع الخالي، وتتميز بسلسلة جبال طولها 650 كم، يصل ارتفاعها حتى ثلاثة آلاف متر، وتعرف في المنطقة الوسطى بالجبل الأخضر. ويتجول الكتاب في رحاب عمان بين ساحلها ومناطقها الداخلية وأفلاجها التي كانت من أبرز أسرار الاستقرار فيها، ويعرّف بالبدو وبالبنية والروابط الإقليمية، والوحدة العمانية.

وحول هذه الأخيرة يحاول الجغرافيون إيجاد تفسير لوحدة الإقليم في خاصتين هما: التناسق، والتكامل. وتتسم عمان بثلاثة مجالات اقتصادية ثقافية أساسية في الساحل والواحات والصحراء، وتشير الأدلة الأثرية على نحو متزايد إلى أن هذه المجالات لم تنم بشكل اشتقاقي، بل شهدت نمواً متوازياً في مرحلة التكيف التي تلت العصر الحديث.

ويبدو أن الصلات بين النطاقات ـ الاقتصادية بالإضافة إلى التكامل الإقليمي الوظيفي الأوسع ـ قد بدأت النمو منذ الألفية الخامسة، إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، عندما بدأ نظام التقايض يربط الشعوب التي استعمرت المناطق الحدودية للبحر الإرتيري منذ الألفية السادسة، وأطلق عليه الإغريق لاحقاً حضارة (آكلي الأسماك) التي سبقت حضارة أرض الهند.

ينقسم إقليم عمان عدة أقاليم كبيرة مكنها البقاء شبه مستقلة، وهناك الوحدات الفرعية التي تنقسم إليها عمان في فترة اضمحلال دورة الإمامة. ويمكن أن تزدهر البلاد عندما تكون متحدة على النحو الذي يمكنها من استغلال وضعها البحري، ولا يحدث ذلك إلا عندما تصل دورة الإمامة إلى أوجها، وهنا يكمن فهم أحد التقسيمين الرئيسيين لعمان: مسقط وعمان، والتقسيم الآخر بين المركز والحدود، بين الدولة المركزية والأراضي القبلية في الشمال، وجنوب شرق عمان بدرجة أقل.

في كل الأحوال تقع عمان بتكوينها البحري في حيز تمتد فيه التجارة عبر المحيط الهندي إلى أقصى شرق إفريقيا والصين، وتتميز بنمط المواصلات التي تنشط في فترة الخريف، مخترقة منطقة الخليج ذات التجارة الرابحة طوال أيام السنة عبر مضيق هرمز الذي يربطها ببلاد فارس والعراق وبلدان البحر الأبيض المتوسط؛ لذا أثر الرخاء الاقتصادي في الخليج في نمط تاريخ عمان البحري كثيراً لكنه لم يحدده بالكامل.

لقد كانت الإمامة دولة مبنية على إيديولوجية عالمية لا تعرف الحدود؛ فلم تكن للدولة حدود ثابتة، ويمكن وصف نطاقها المكاني في إطار علاقة المركز بالمحيط حيث استبدلت بالحدود الثابتة فكرة الحدود المتحركة. وفيها يتمثل مركز الدولة بأهل المعروف أو (الأمة الحق) أما القبائل الحدودية فهم (أهل البغي) الذين لم يخضعوا تماماً لأهل الفضل.

أو الآخرون ممن كانوا خاضعين للحكام غير الشرعيين الجبابرة (أهل الأحداث). إن الدولة الحقيقية يجب أن تشمل المجتمع المسلم كله، ولا يكون هناك عالم خارج دار الإسلام. ويصبح الجميع تحت مظلة السلام في الإسلام. وفق هذا الفهم يشكل الإباضيون جزءاً مهماً من هذه الأمة.

(الصلاح في الله ومن الله).. هكذا اعتمدت وحدة عمان على عدالة نظام الإمامة الجديد، ومن ناحية أكثر واقعية على التوازن الجديد للسلطة بين الإمام ومبايعيه، كان الإمام من فخذي اليحمد: الفجح، والخروص، في حين كان مبايعوه من علماء بني سامة المنحدرين من الأسر التي استقرت في إزكي وسط عمان وفي نزوى.

تمتاز عمان بتاريخ واضح وموثق على نحو مذهل لهجرات القبائل العربية إلى الإقليم، التي استوطنت سفوح جبال عمان وتقاسمتها. وقد ساعد التوازن بين الحكومة المركزية والقانون القبلي على شرح معلم مهم آخر للقبلية في عمان يتمثل بوقوع كل المراكز الرئيسية ضمن النطاق القبلي، غير أن أياً منها لا يقع في نطاق سلطة مجموعة واحدة، ويعود الانسجام إلى خليط من مفاهيم الشرف العشائري والمصالح الاقتصادية، والطموحات الإقليمية، ولكل عنصر درجة من الاستعداد للاستقلال في فض المنازعات وإقامة التحالفات.

الإمامة تنظيم لمجتمع إسلامي مبني على أسس سليمة، ويتم الاعتراف بالانتساب إلى هذا التنظيم بالولاية التي تعني أصلاَ الصداقة، لكنها تشير إلى تفضيل موقف على آخر، ويترتب على التعدي على حرمات المجتمع حدوث البراءة والانفصال ورفض السلطة، ووجوب أن يكون لمثل هذا المجتمع قائد، أي إمام. سنّ هذا المبدأ العالم الجليل موسى بن علي في إمامة عبد الملك بن حميد عام (793ـ 844م) .

وقد قال هذا العالم: «لا يجهز جيش، ولا تعقد راية، ولا يؤمن خائف، ولا تقام حدود، ولا يحكم حكم مجتمع عليه إلا بالإمام». الإمامة فريضة حسب إجماع الأمة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا النواة الأولى للمجتمع المسلم. وتقوم العلاقة بين الإمام ومجتمعه على طاعة أوامر الله حسب منطوق عقد الانتخابات.

ويتم اختيار الإمام بناء على ثلاث ميزات: المؤهلات، وطبيعة العقد بينه وبين تابعيه، وكيفية اختياره والظروف التي يمكن فيها عزله. في إمامة القرن العشرين تضافرت سلطة ثلاثية، فكان الإمام يوازن بين متطلبات الحكومة المركزية اعتماداً على المبادئ الإباضية والمصالح القبلية للزمرتين الهناوية والغافرية، وكانت المساندة التي قدمها الغافريون هي الأكثر أهمية في استعادة الإمامة.

غير أن مشاركة المجموعة الهناوية في سمائل والشرقية أفرزت وضعاً أكثر توازياً. وبوفاة حمير بن ناصر النبهاني في فبراير 1920 قبيل اغتيال الإمام سالم بن راشد الخروصي وافق زعيم اتحاد الريام سليمان بن حميد على ترشيح محمد بن عبدالله الخليلي الذي ماتت الإمامة معه في مايو 1954. وفي عمان التي توحدت في ظل حاكم واحد وتحولت إلى العالم الحديث أظهر الجميع حسن النوايا، وانعطفت عمان نحو نهضة مميزة بعدما تولى السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم.

جمال مشاعل

*الكتاب: الإمامة في عمان

*ترجمة:الفاتح حاج التوم وطه أحمد طه

*الناشر:مركز الوثائق والبحوث في وزارة شؤون الرئاسة ـ أبوظبي 2007

*الصفحات: 516 صفحة من القطع المتوسط

كان عصر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي حافلا بكثير من الأحداث والتغيرات على مجرى الحياة في عمان، وهذا ما سنتناول الحديث عنه في هذا الفصل، وذلك على النحو التالي:
– تمهيد: تقسيم الدولة العمانية.

– المبحث الأول: عمان قبيل إمامة عزان بن قيس.
وفي هذا المبحث مطلبان:
المطلب الأول: حكومة ثويني بن سعيد.
المطلب الثاني: حكومة سالم بن ثويني.

– المبحث الثاني: إمامة عزان بن قيس.
وهذا المبحث يتكون من مطلبين:
المطلب الأول: مبايعته وجهوده:
وسنتناول فيه:
أولا: نص البيعة.
ثانيا: جهوده في:
– المجال السياسي والاجتماعي
– المجال الاقتصادي
– المجال العلمي
– المجال العسكري
المطلب الثاني: سقوط الإمامة.

تمهيد : تقسيم الدولة العمانية
كان لعمان دولة كبرى شملت عدة دول مستقلة حاليا في القارة الإفريقية وفي منطقة الخليج العربي وبحر عمان، وبوفاة السيد سعيد بن سلطان سنة 1273هـ/1856 (1)م، تمزقت الدولة العمانية الشاسعة التي امتد نفوذها من بحيرات أفريقيا الوسطى غربا حتى مشارف القارة شرقا(2) بالإضافة إلى أجزاء واسعة من الجنوب الشرقي للجزيرة العربية، والساحل الشرقي للخليج العربي من بلاد فارس (3) .

وهذا المبحث يسلط الضوء على ما يلي:
أ- أسباب التمزق.
ب- من نتائج هذا التمزق على عمان.

أ- أسباب التمزق:
وأسباب هذا التمزق للبناء السياسي الذي كان يستند عليه الحكم في عمان من قبل تعزى إلى ما حققته الثورة الصناعية في أوروبا سنة 1860م وعدم استفادة عمان منها، وما نتج عن ذلك من تقدم وسائل المواصلات، حيث ظهرت السفن البخارية ووصولها إلى المنطقة العربية في الوقت الذي كانت الدولة العمانية تعتمد على وسائط الملاحة القديمة والتي قد استنفدت أغراضها مما أدى إلى تدهور النشاط التجاري والملاحي للمنطقة، وتقويض الأسس الاقتصادية التي كان يعتمد عليها الجهاز الإداري للدولة وبالمقابل فقد تضاعفت محاولات التدخل وبسط النفوذ الخارجي على عمان لا سيما من البريطانيين والفرنسيين (4). وأهم من ذلك أن هذه الدولة لم تبن على أساس استراتيجي صحيح يتناسب مع عدد الشعب العماني وإمكاناته، وإنما قامت في حقيقتها انعكاسا لموهبة قادتها من أمثال السيد سعيد بن سلطان(5) .

وكان سعيد يستعين ببعض أبنائه نوابا عنه، فثويني مثلا كان ينوب عنه في حكم مسقط ، بينما كان ماجد ينوب عن والده في حكم زنجبار، وتركي في حكم صحار (6) ، وما إن توفي السيد سعيد ودفن بزنجبار حتى أخذ أولاده وأحفاده يتنافسون من أجل الحكم فبدأ تقسيم الدولة حيث صار ملك أفريقيا لماجد، أما مسقط وأكثر مناطق عمان فكان ملكها إلى ثويني(7) .

وقد تم هذا التقسيم عبر مفاوضات عديدة بين الأخوين، وبواسطة مبعوثين من الطرفين وتدخلات مباشرة من قبل الحكومة البريطانية لا سيما اللورد”كاننج”نائب الملك في الهند حيث شكل لجنة لحل المشاكل السياسية التي أخذت تواجه الأسرة الحاكمة، والتي تنذر بانفجار الحرب بين أبنائها من وقت لآخر (8).

وفي عام 1861م أعلن اللورد كاننج أن قرارات اللجنة وتوصياتها تعتبر ملزمة على الطرفين، وحكما نهائيا في النزاع (9) ، وكان من ضمن قرارات هذه اللجنة ما يلي (10):
1- تقسيم الدولة إلى دولتين منفصلتين (دولة زنجبار وتوابعها الإفريقية وسلطانها ماجد، ودولة عمان وسلطانها ثويني).
2- أن يدفع ماجد، سلطان زنجبار، مبلغ (40) ألف ريال نمساوي كل عام إلى ثويني، سلطان عمان ، مقابل تنازل الأخير عن المطالبة بضم زنجبار وتوابعها وكتسوية لتركة لم تكن عادلة.
3- في حالة نشوب نزاع بين الطرفين -ماجد وثويني- لا يُلجأ إلى القوة وإنما تقدم شكوى لحكومة الهند البريطانية.

ب- من نتائج التقسيم:
ونلاحظ بأن هذا التقسيم قد عاد بأضرار بالغة على عمان، فقد كانت معظم السفن الحربية والتجارية الخاصة بالدولة راسية في ميناء زنجبار، فاستولى عليها ماجد مما نتج عن ذلك ضعف الحماية للسواحل العمانية من السفن الحربية البريطانية والفرنسية وإصابة تجارة العمانيين بشلل، وعدم قدرة تصدير واستيراد السلع بالإضافة إلى هجرة كثير من العمانيين إلى أفريقيا (11) ، فتقلص النشاط الاقتصادي وسيطر عليه غير العمانيين، وفرضت الضرائب التي عجز الناس عن دفعها(12).

كما واستعرت نار الخلافات القبلية، وثارت من جديد فتنة التحزب إلى غافرية وهناوية (15)، فعانت عمان من جراء ذلك حروبا قبلية طاحنة فاضطرب الأمن، وعجزت حكومة مسقط عن بسط سيادتها على البلاد في الداخل، ولا عن حماية حدودها فتمكنت الحملة الوهابية من التغلغل في عمان بزعامة السديري بعد أن كانت محصورة في واحة البريمي (16) ،كما ثار الفرس وطردوا العمانيين من بر فارس، ولم يبق بأيديهم إلاَّ ما حول البحر (17) ، بالإضافة إلى هذا كله أدى تدخل الأجانب إلى ظهور بعض المناكر التي تحرمها الشريعة الإسلامية، وإلى إدخال القوانين الوضعية(18) فكانت هذه الأوضاع المتردية سببا لقيام حركة نشطة قادها علماء الدين وبعض شيوخ القبائل استطاعوا بها تصفية حكم أبناء سعيد بن سلطان-ولو لمدة قصيرة- وإعادة نظام حكم الإمامة بمبايعة الإمام عزان بن قيس، كما سيتضح لاحقا.
كوكب المعرفة – ” كتاب إغاثة الملهوف بالسيف المذكر في الأمر بالمعروف و..” لسعيد الخليلي(دراسة وتحقيق)

المطلب الأول : في حكم ثويني بن سعيد 1273هـ/1856م

سبقت الإشارة إلى أن السيد ثويني كان يضطلع بحكم مسقط نيابة عن والده، وقد ساعده ذلك كثيرا على معرفة الظروف التي سيواجهها في إدارة شؤون البلاد، وعلى معرفة طرق تثبيت دعائم حكمه، فكيف سعى السيد ثويني لتحقيق ذلك؟ وما هي العوامل التي ساعدته؟ وإلى أي حد نجح؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا المطلب، ومن خلال العناوين التالية :
أ. سعيه في تثبيت دعائم الحكم.
ب. دوره في صد الحملة الوهابية.
ج. وفاته.

أ- سعيه في تثبيت دعائم الحكم:
فمنذ أن تولى السلطان ثويني بن سعيد حكم عمان بعد وفاة أبيه واجهت حكومته وضعا سياسيا داخليا مضطربا، وكانت البلاد عرضة لتهديدات كثيرة، إلاَّ أنه قد اتخذ عدة محاولات لتثبيت حكمه فعين عددا من أفراد أسرته ولاة على المناطق ومسؤولين في حكومته، وذلك لشغلهم وتفريقهم خوفا من أن ينقلبوا عليه (1)، كما أنه تصالح مع الحركة الوهابية التي كانت تهدد استقلال البلاد، وذلك بموافقته على أن تبقى البريمي في قبضة الحامية الوهابية، وعلى أن يدفع لهم مبلغا سنويا مقداره(5) آلاف ريال، بالإضافة إلى ألفي ريال لابن مطلق المطيري وهو قائد الحملة الوهابية آنذاك(2)، وفي مقابل ذلك يترك الوهابيون لثويني حكم عمان، وأن يساعدوه على السيطرة للمواقع المهمة لتثبيت دعائم الحكم، وفعلا شكل السلطان ثويني قوة عسكرية تتألف من عدد من السفن وبعض التحصينات، وجيش قوامه (600) جندي نصفهم من أهل نجد (3).

ثم أدرك بعد ذلك بأن “هناك عددا من مراكز القوى السياسية التي لا سيطرة له عليها تقريبا، وما لم ينجح أي حاكم في السيطرة على القوة السياسية الناشطة في البلاد فإنه لن يتمكن من الاستمرار طويلا في الحكم”(4)، فقد كان له منافسون كثيرون، بعضهم من البيت البوسعيدي نفسه، وفي مقدمتهم تركي بن سعيد الذي كان واليا على صحار، فاستطاع السيد ثويني أن يدخله في طاعته وينضم إليه ليكونوا يدا واحدة (5) ،وبذلك استطاع أن يبسط سيطرته على معاقل الباطنة (6) .

كما كان على ثويني أن يعمل على كسب القوى القبلية الرئيسية ففي المناطق الداخلية من عمان وأغلب مناطق الشرقية قبائل الهناوية بزعامة الشيخ صالح بن علي الحارثي (7) ،أما في وادي سمائل وجعلان قبائل الغافرية (8) ،وأهم من هذا وذاك التيار الذي يقوده العلماء حيث أخذ يتنامى ويتحرك للعمل على جمع شمل العمانيين وصد محاولات الغزو الأجنبي وإرساء قواعد الأمن والعدل في البلاد عن طريق محاولة إعادة نظام الإمامة الإسلامية من جديد، فالشيخ صالح ابن علي إضافة إلى كونه زعيما قبليا فهو أحد كبار العلماء الذين يعملون في هذا السبيل، وقد ساعد هذا الاتجاه-بالإضافة إلى اشتهارهم بالتقوى والورع وغزارة العلم – نشاطهم الدؤوب ودورهم القيادي الذي كانوا يمارسونه في المجتمع، فعلى سبيل المثال منذ عام 1262هـ آل أمر الرستاق (9) ،إلى العلامة سعيد بن خلفان، وأمر صحار إلى العلامة حمد بن خميس السعدي (10) ،
والعلامة جميل بن خميس السعدي (11) ، والشيخ محمد بن سليم الغاربي (12) ، وكان أمر الخابورة بأيدي آل خميس وكانوا من أهل العلم والدين (13) فكان لهؤلاء العلماء الأمر والنهي واليد الطولى والولاء، فأخذوا يتراسلون بينهم ويحض بعضهم بعضا من أجل القيام بالأمر (14) .

كما أن قيس بن عزان الذي كان واليا على السويق، وابنه عزان واليا على الرستاق، وهما من نسل قيس بن عزان بن قيس بن أحمد بن سعيد(أسرة ثويني) لم يدخلا في طاعة السلطان، وكانا يلقيان الدعم من قبيلة آل سعد القوية ومركزها السويق، كما أنهما على اتصال بالعلماء فيصفهم السالمي بأن فيهم”الصلاح وحب أهل الخير”(15) .

فتمكن ثويني من دفع من يقوم بقتل قيس ومصالحة أنصاره وهذا بالتالي مكنه من السيطرة على السويق (16)، أما الرستاق فعلى الرغم من أن ثويني حشد قوات للهجوم على معقل عزان في عام 1864م إلاَّ أنه لم يتمكن من تخليصها من عزان ومن معه بسبب تدخل الوهابيين في الصراع وذلك بناء على طلب عزان بن قيس (جد الإمام عزان) من تركي بن أحمد السديري القائد للحامية الوهابية في البريمي فاغتنمها السديري فرصة، فتوغلوا في عمان وعظم خطرهم(17).

ب- دوره في صد الحملة الوهابية:
وهنا شعر العمانيون بالخطر فراسل الشيخ صالح بن علي الحارثي زعيم قبيلة الحرث وأحد كبار العلماء السلطان ثويني يحثه على مواجهة الوهابيين، ويخبره بأنه ومن معه من العلماء والقبائل سيقفــون معه صفا واحدا ضـد الغزو الوهابي، وقام بتنظيم جبهــة قوية ووضعها تحت تصرف ثويني (18) ،وبدوره قام السلطان ثويني بإعداد حملتين عسكريتين الأولى: برية بقيادة أخيه تركي وهو الذي انضمت إليه جبهة القبائل العمانية بزعامة الشيخ صالح، أما الحملة الثانية: بحرية وبقيادة السلطان ثويني نفسه (19) .

وعندما علم السديري بهذا الاستعداد وبعد أن تخلى عنه شيخ آل وهيبة (20) ،تمكن السلطان من إجبار الوهابيين على الخروج من عمان، والانسحاب إلى مركزهم بالبريمي، وبذلك تحقق له كسب أكبر القبائل العمانية ودخلت في طاعته(21) .

ج- وفاته:
وبعد نجاح حملته قفل عائدا إلاَّ أنه مر على عاصمته مسقط ولم يدخلها بل توجه إلى صحار وكان واليها من قبله ابنه سالم بن ثويني، وقد عهد إليه أبوه حماية الحدود الشمالية الغربية للبلاد إلا أن سالما قد خبأ في نفسه شيئا كان السلطان ثويني غافلا عنه وذلك من أجل أن ينفرد بالملك بعد أبيه، فبينما ثويني كان نائما وقت الظهيرة في حصن صحار تسلل عليه ابنه سالم في غرفته برفقة أحد عملاء الوهابية فأطلقوا النار عليه، وأردوه قتيلا، ثم اعتقل عمه تركي بن سعيد، وكان ذلك في 27 من رمضان سنة 1282هـ/فبراير 1866م، ثم ذهب إلى مسقط وأعلن من هناك أنه سلطان على عمان (22) .

كوكب المعرفة – ” كتاب إغاثة الملهوف بالسيف المذكر في الأمر بالمعروف و..” لسعيد الخليلي(دراسة وتحقيق)

© موقع كنز العلوم.  جميع الحقوق محفوظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى