الجغرافياالثاني عشر

تطور علمي الجغرافيا والخرائط

تطور علمي الجغرافيا والخرائط

مَر علم الجغرافيا بمراحل أسهمت في تشكيل فلسفته وبنيته التي ميزته من غيره من العلوم، وفيما يأتي نستعرض إسهامات بعض الشعوب والحضارات في تطور هذا العلم، مع توضيح ملامح من تطور علم الخرائط:

البابليون

أسهم البابليون في ميادين المعرفة الجغرافية، إذ تمكنوا من تسجيل بعض الظواهر الفلكية، مثل ظاهرتي: الخسوف والكسوف، وحاولوا تفسير تعاقب الفصول، ووضعوا تقويما سنويا قمريا. وقد صاحب هذا الاهتمام رسم الخرائط ، إذ يعد البابليون من أوائل الشعوب الذين قاموا برسم خرائط تفصيلية لسهل العراق خلال الألف الرابع ق.م، واشتملت خرائطهم على مسح الأراضي بغرض تقدير الضرائب على الأراضي الزراعية بشكل دقيق، وكانوا ينقشون الخرائط على لوحات من الصلصال المحروق مستفيدين من مادة الطين المترسب على ضفاف نهري دجلة والفرات، كما في الشكل (۲).

الشكل (2) أقدم خريطة للأرض كما تصورها البابليون منقوشة على الطين

المصريون القدماء

أسهم المصريون القدماء في كثير من نواحي المعرفة، ولا سيما ما يتصل بالجغرافيا والخرائط، وتتمثل مجالات المعرفة الجغرافية عندهم في ملاحظة الظواهر الفلكية ومحاولة تفسيرها واستخدامها في التقويم لمتابعة مواسم
فيضان نهر النيل، وأسهمت رحلاتهم الداخلية والخارجية في تطوير معرفتهم بالمناطق والأقاليم المجاورة. ورسم المصريون القدماء خرائط للأراضي الزراعية ُمَوَّضحين عليها المساحة التفصيلية بغرض تقدير الضرائب، معتمدين على إتقانهم للعلوم الرياضية والمساحية، وكانوا يرسمون الخرائط على ورق البردي (الشكل 3)، وقد وجدت خرائط مصرية قديمة ترجع إلى عهد رمسيس الثاني (1300 ق.م)، تبين مواقع الأعمدة التي تحدد مساحة الأحواض الزراعية، وأخرى سجلوا عليها معاركهم ، وبينوا عليها أسماء البلدان التي زاروها.

الشكل (3) خريطة رسمت على ورق البردي زمن الفراعنة

الاغريق

نال الإغريق شهرة كبيرة بسبب مكانتهم العلمية ومنزلتهم الحضارية، وقد ساعدهم في ذلك مجموعة من الظروف الجغرافية الطبيعية التي كانت تحيط ببلادهم، وبعـد الإغريق أول من وضع الأسس والقواعد العلمية للجغرافيا؛ إذ اشتهر مفكروهم وفلاسفتهم بصياغة النظريات والقوانين والقواعد العلمية لتفسير الظواهر المختلفة، مثل: التوزيع العام للمناطق المناخية، وعلاقة المناخ بتوزيع الغطاء النباتي، كما اشتهروا بالدراسات الإقليمية (Regional Studies) للمناطق، من خلال وصف ما فيها من ظواهر طبيعية وبشرية، ودراستها دراسة شاملة. وتمثل الخرائط الإغريقية نقطة البداية الحقيقية في تاريخ علم الخرائط؛ بفضل معرفتهم الفلكية والرياضية، وترجمتها إلى وسائل علمية؛ لتثبيت المواقع الأرضية على الخرائط، من خلال استخدام خطوط الطول ودوائر العرض ومقياس الرسم. وتميزت خرائطهم بالدقة واشتملت على قارات العالم وأقطاره المعروفة آنذاك. بالإضافة إلى كثير من الظواهر الطبيعية، كالبحار والأنهار والخلجان، والظواهر البشرية كالمدن والقرى، ويوضح الشكل (٤) خريطة للعالم رسمها إيراتوستينس.

الشكل (4) خريطة العالم رسمها الإغريقي (إيراتوستينس)

الرومان

اهتم الرومان بعلم الجغرافيا بسبب التوسع الكبير لحضارتهم برا وبحرا وما تبع ذلك من علاقات تجارية وإرسال الحملات العسكرية، وقاموا بتوظيف خبراتهم ومهاراتهم الفنية في رسم الخرائط، ومن أهم المصادر في دراسة الخرائط الرومانية تلك التي تنسب إلى بطليموس (Ptolemaeus) في كتابه (المرشد إلى الجغرافيا) إذ تناول قواعد رسم الخريطة، ونظام المساقط، كما رسم خريطة للعالم، وضع فيها شبكة من خطوط الطول ودوائر العرض، ويوضح الشكل (5) خريطة العالم لبطليموس (معربة).

ُ
الشكل (5) خريطة العالم لبطليموس (معربة)

المسلمون

ساعد ظهور الإسلام على ازدهار سائر أنواع المعرفة ومن بينها الجغرافيا، حيث كانت الجغرافيا في العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى علما مزدهرا مثل العلوم الأخرى. وقد ساهم عدد من العوامل في تطور الجغرافيا والخرائط عند المسلمين أهمها:

1- ارتباط كثير من العبادات في الإسلام بتحديد الوقت والاتجاهات، مثل: الصلاة والصوم والحج؛ مما دفع
المسلمين إلى ابتكار وتحسين الوسائل والأجهزة المتنوعة اللازمة لذلك.
2- حركة الفتوح الإسلامية، وما لزمها من إنشاء جهاز للبريد، ومَّد شبكة الطرق والمواصلات، وظهرت العديد من الكتب التي تناولت مواضيع المسالك والممالك، مثل: كتب ابن خرداذبة والإصطخري وابن حوقل وغيرهم.
3- اتساع مساحة الدولة الإسلامية، مما استدعى وجود علم يساعد على جمع البيانات عن البلدان الجديدة من أجل إدارتها وحكمها.
4- ازدهار النشاط التجاري، إذ ساعد على إثراء المعرفة الجغرافية من خلال جمع معلومات عن الطرق، والمدن التجارية الرئيسية، والأنشطة البشرية والاقتصادية للبلدان المختلفة.
5- تعريب العلوم نتيجة اتصال المسلمين بالفكر الإغريقي والهندي والفارسي، ودراستهم لهذا الفكر.

وقد ساهم الجغرافيون المسلمون، أمثال: الإدريسي والمسعودي وابن حوقل مساهمة فعالة في تطوير علم الخرائط، وذلك باستخدام الدراسة الميدانية والاهتمام بالدراسة الإقليمية وتطوير علم القياس اللازم لإنتاج الخرائط، واستطاعوا بذلك تصحيح المعلومات التي كانت واردة في الخرائط الإغريقية والرومانية،
وتعتبر الخرائط الإسلامية آنذاك من أدق الخرائط التي ظهرت لتحديد العالم المعروف في ذلك الوقت، كما تميزت بعض الخرائط الإسلامية باستخدام الألوان، واعتمدت بعضها على استخدام الخطوط والأشكال الهندسية، ويوضح الشكل (6)إحدى الخرائط التي رسمها الجغرافيون المسلمون.

الشكل (6) خريطة العالم التي رسمها الإدريسي

الاوربيون

استفاد الأوروبيون من الفكر الإسلامي مما ساعد على تغير الأفكار السائدة عن بعض مناطق العالم ، وبدأت أوروبا في تطوير فكرها الجغرافي بالاعتماد على علماء الجغرافيا والملاحيـن المعروفين، مثل: ماجلان وكرستوفر كولمبس، الذين أسهموا في تقدم الفكر الجغرافي بعد القرن الخامس عشر الميلادي. وأصبحت أوروبا بعد ذلك رائدة في علم الجغرافيا وعلم الخرائط، وتعد الكشوف الجغرافية (Geographical Explorations) مرحلة جديدة في تاريخ علم الخرائط حيث أسهمت في رسم خرائط عديدة توضح الأماكن والقارات التي تم اكتشافها، ونظرا لحاجة الملاحين إلى خرائط دقيقة لتحديد الاتجاهات الصحيحة أثناء الإبحار برزت الحاجة إلى ابتكار مسـقط الخريطة؛ لتحويل السطح المنحني للأرض إلى لوحة مستوية، ويعد مركيتور (Mercator) أول من أنتج خريطة ملاحية وفق مسقط يحقق الاتجاه الصحيح سنة 1569م (الشكل 7).

الشكل (7) خريطة مركيتور 1569م

شاهد ايضا

تطور الجغرافيا والخرائط

تابعنا على تويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى