لغة عربية

الشعر الجاهلي‎

خصائص الشعر الجاهلي
تمهيد:
عادة ما يفتتح الشعراء الجاهليون قصائدهم بوصف الأطلال وبكاء آثار الدّيار، ثم يصفون رحلاتهم في الصحراء، وما يركبونه، من إبل وخيل… ثم يخرجون إلى الغرض من قصيدتهم مديحا أو هجاء أو فخراً أو عتابا أو اعتذارا أو رثاء وللقصيدة مهما طالت تقليد ثابت بن أوزانها وقوافيها، فهي تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات وحد جميع الأبيات في وزنها وقوافيها وما تنتهي به من روي.
نوع الشعر الجاهلي
الشعر الجاهلي شعر غنائي، وهو عبارة عن منظومات قصيرة قلما تجاوزت المائة بيت، وهو شعر ذاتي يمثل صاحبه وأهواءه، فإذا كان الشعر الجاهلي يختلف عن ضروب الشعر الغربية القصصية والتعليمية والتمثيلية فإنه يقترب من الضرب الثنائي، لأنه يجول مثله لا مشاعر الشاعر وعواطفه، ويصوره فرحاً أو حزيناً.
إنه ذاتي يصور نفسيّة الفرد وما يختلجه من عواطف وأحاسيس، سواء حين يتحمس الشاعر ويفخر أو حين بمدح ويهجو أو حين
يتغزّل أو يرثي أو حين يعتذر ويعاتب.
موضوعات الشعر الجاهلي
يقول أبو هلال العسكري ” وإنما كانت أقسام الشعر الجاهلية خمسة المديح والهجاء والوصف والتشبيه والمرائي، حتى زاد النابغة فيها قسماً سادساً وهو الاعتذار فأحسن فيهم.”
۱ ) وهو تقسيم جيد غير أنه نسبي باب الحماسة وهو أكثر موضوعات الشعر دوراناً على لسانهم.
خصائص الشعر الجاهلي
أ) الخصائص المعنوية
معاني الشعر الجاهلي معان واضحة بسيطة ليس فيها تكلف ولا إغراق في الخيال؛ لأن الشاعر الجاهلي لا يريد أن يفرض إرادته الفنية على الأحاسيس والأشياء بل كان يحاول نقلها نقلاً أميناً، ومن أجل ذلك كان شعره وثيقة لمن يريد أن يعرف حياته وبيئته، فهو يميل إلى النزعة التقريريّة، وينتزع تشبيهاته من عالمه المادي: المرأة يشبهها بالشمس والبدر والبيضة والذرة والرمح والسيف والقمام والظبية، ويشبه أسنانها بالأقحوان وبنائها بالعنم وثغرها بالبلور وخدها وترائبها بالمرأة وشعرها بالحبال والحيات والعناقيد… أما الرجل فيشبهه بالبحر وبالغيث وبالأسد وبالذنب وبالعقاب والبعير وبالبدر والقمر والرمح والسيف. وهذه الحسيّة جعلتهم يدورون حول معان واحدة كأنما اصطلحوا على معان بعينها. وما يقوله امرؤ القيس وبكاء الديار يقوله جميع الشعراء… ومن ثم تبدو أشعارهم نزعة واضحة للمحاكاة والتقليد.
وقد جنى عليهم ذلك ضيقاً واضحاً في معانيهم، غير أنه من جهة ثانية أتاح لهم التدقيق فيها وأن يجلوها ويكشفوها أتم كشف وجلاء… اقرأ أشعارهم ستجد دائماً المعاني نفسها، وستجد أيضاً صوغاً جديداً، فكل شاعر يحاول أن يعطيها شيئا من شخصيته . ومعنى ذلك أن ضيق الدائرة في معانيهم لم يحل بينهم وبين التُفاد منها إلى دقائق كثيرة ، فقد تحولوا يولدونها ويستنبطون منها كثيرا من الخواطر والصور الطريقة.ولم يكن وصفهم جامدا بل أشاعوا فيه الحركة المشتقة من حياتهم التي لم تعرف الاستقرار، فهم دائما راحلون وراء
الغيث ومساقط الكلاً، وهذه الحركة التي تعنى عدم التوقف عند الشيء وإطالة النظر فيه هي التي جعلت معانيهم سريعة
فالشاعر لا يقف طويلا عند المعنى الذي بلغ به بل لا يكاد يمسنه حتى يتركه إلى معنى أخر فحياته لا تثبت ولا تستقر ، وهو كذلك
في معانيه لا يثبت ولا يستقر بل يتنقل من معنى إلى آخر ومن ثم غلب عليه الإيجاز، ولعل هذا ما جعل البيت من قصائدهم وحدة
معنوية قائمة بنفسها. وتتألف القصيدة من الأبيات المستقلة التي يكتفي فيها كل بيت غالباً بنفسه ، غير متوقف على ما يسبقه
ولا على ما بلحنه الا نادراً وربما كان هذا هو السبب الحقيقي لا أن القصيدة الطويلة لا تلم بموضوع واحد يرتبط به الشاعر، بل تجمع طائفة من الموضوعات والعواطف لا تظهر بينها صلة ولا رابطة واضحة، وكأنها مجموعة من الخواطر يجمع بينها الوزن والقافية وتلك هي كل روابطها.
ب) الخصائص اللفظية / الفنية
يمكن أن نجمل الخصائص اللفظية الفنية للشعر الجاهلي النقاط الأتية
– لغة الشعر الجاهلي تدل على نضوج التجربة الشعرية وعراقة رصيدها.
– الاهتمام باللغة والقوالب أكثر من الاهتمام بالمعاني
– التقيّد بصيقة إيقاعية واحدة، تتمثل في اتحاد النغم واتحاد القوا وحركاته.
– الاستعانة بالمحسنات اللفظية والمعنوية، كالتشبيه والاستعارة والقليل من الجناس والطباق، وهي محسنات كان
الشاعر الجاهلي يُعنى بها حتى يؤثر في نفوس سامعيه، وهي تصور مدى ما كان يُودعه قصيدته من جهد فتي، وخاصة من حيث التصوير ودقته وبراعته.
نظام القصيدة الجاهلية
غلب على القصيدة الجاهلية النظام الذي يطالعنا في معانيها وموضوعاتها، والطريقة التي نظمت عليها، فهي تبدأ – في غالب الأحيان – بوصف الأطلال والوقوف عندها، والبكاء بين آثارها المتبقية، ثم ينتقل الشاعر إلى الحديث عن رحلته وما يركبه في هذه الرحلة، وما يقطعه من مفاوز، وما يلاقيه من صعوبات وهو يشبه راحلته ببعض الحيوانات الوحشية المعروفة بسرعتها، ثم يخرج بعد
ذلك إلى الغرض المقصود من القصيدة. وقد أخذ شكل القصيدة نظاماً ثابتاً لا يتغير مهما طالت أبياتها، أو تعددت أغراضها، فهي مجموعة من الأبيات يجمعها وزن واحد وقافية واحدة.
إن صناعة هذا الشعر قد توفر لها من الخصائص والعناصر ما جعلنا نعتقد أن الشعراء كانوا يبذلون في سبيل الوصول إلى صناعة قصائدهم جهداً شاقاً ومناء كبيراً، فلم يكونوا يقبلون كل ما يرد على خواطرهم، وإنما كانوا ينقُحون ويجودون ويعاودون النظر، ليصونوا كلامهم عما قد يفسده، ويحققوا له الشكل الفني المتعارف عليه بينهم. إلى جانب الجهد الآخر الذي كانوا يبذلونه في سبيل المحافظة على موسيقى هذا الشعر، لأن الشعر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموسيقى فهوصورة رفيعة من صور الغناء وألحانه وأنغامه. وإذا حاولنا دراسة موسيقى الشعر الجاهلي وجدنا ظاهرة الغناء والموسيقى واضحة فيها وضوحاً بيناً تدلنا على الجهود التي كانت تبذل في سبيل المحافظة عليها. فالقصيدة تتألف من وحدات موسيقية سميت الأبيات. يلتزم الشاعر فيها وزناً واحداً، وكل بيت منها يمسك بالبيت الآخر في توازن موسيقي يطرد إلى نهاية يستقر فيها اللغم، تسمى الروي، وهذا التوافق الصوتي ي الوزن، والتوازن الموسيقي في النهايات يشكلان الموسيقى الخارجية التي تنتظم القصيدة فيجعلانها تدور في محور واحد وتحمل نغماً موسيقياً واحداً
وتتضح أصول هذه الصناعة كذلك في نماذج القصائد التي كان الشعراء يحرصون في بطولاتهم عليها، فهي تبدأ غالباً بوصف الأطلال وبكاء الدمن ثم ينتقل إلى وصف رحلات الشاعر في الصحراء، وحينئذ يصف ناقته التي تملأ حسه وصفاً دقيقاً فيه حذق ومهارة، ثم يخرج من ذلك إلى الموضوع المعين من مدح أو هجاء أو غيرهما. وقد استقرت تلك الطريقة التقليدية في الشعر العربي وثبتت أصولها في مطولاته الكبرى على مر العصور.
أساليب التصوير
وهذا التقليد يفسر لنا اتحاد المعاني والصور والتشبيهات، ومعالجة الموضوعات عند الشعراء الجاهليين، حتى إذا استطاع شاعر أن يبدع في إخراج صورة من الصور أو تشبيه من التشبيهات أخذه الشعراء الآخرون، فاستخدموه وتداولوه ، ونسجوا على منواله، إلا أن الصورة العامة لتطور الشعر الجاهلي صورة طبيعية غير معقدة كما تبدو عند امرىء القيس الذي إن صور الليل، يصوره بسواده وهمومه فهو أمواج لا تنتهي، يصوره وقد طال، وأسرف في الطول، حتى ظن أن نجومه شدت بأسباب وأعراس من الجنادل والجبال، فهي ثابتة لا تتحرك واقفة لا تزول وإذا أراد أن يصور فرسه جعله فيداً لأوابد الوحش اذا انطلقت في الصحراء وهو لشدة حركته وسرعته كأنه جلمود صخر حطه السيل من عل. واذا أحس بقوة جريان جواده وقد ابتل جانبه من العرق، قرنه بهزيز الريح إذا مرّت بشجر الثأب المعروف باشتداد صوت الريح فيه، وإذا أراد أن يصف وميض البرق وتألقه، شبه هذا التألق واللمعان بحركة البدين.

© موقع كنز العلوم.  جميع الحقوق محفوظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى