اخبار

مسيرة التعليم في عمان خيوط ممتدة لصناعة المستقبل

مسيرة التعليم في عمان خيوط ممتدة لصناعة المستقبل

د. رجب بن علي العويسي

منذ أن أعلـن سـلطان غمـان الراحـل حضرة صاحـب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيـب اللـه ثـراه- فـي الثالث والعشرين مـن يوليـو مـن عـام ١٩٧٠ بناء مرحلـة جديدة لعمـان الحديثة، تنفض خلالها غبـار السنين الماضيـة وحالـة الفقـر والجهـل التـي يعيشها أغلـب سـكان البـلاد المجتمع، وخطاب جلالته السامي ” سنعلم أبناءنـا ولـو تـحـت ظـل الشجر”، إيذانا بجـعـل التعليـم أولويـة حضاريـة وطنيـة في رسم ملامح الدولـة وبناء النهضة العمانيـة المتجددة يجـد المتتبع لمسيرة التعليـم فـي عمـان حجـم المكانـة والاهتمام الذي توليه القيادة العمانية للتعليـم, استشعارا منهـا لـدوره وجـلال قـدره وعظمـة حـضـوره فـي منظومـة البناء والتطوير، وأن بناء دولة عصريـة تأخـذ بأسباب التقـدم والتطور، وتؤسس لنهضة الوعي، وبناء القدرات، وتمكيـن الموارد، وصناعة الفرص التي تتيح للإنسان العماني المساهمة الفعالة، والمشاركة الهادفة في التنمية الوطنية المستدامة، بحاجة إلى التعليم عالي الجـودة ، تعليم للحياة بكل معطياتها وظروفها ومتغيراتها، ينقل الانسان العماني من الحالة التي يعيشها ليفتح له نوافذ الأمـل وينتج فيـه حس الإرادة وعظمة المسؤولية وقوة التحدي الذي عليـه أن يعمـل جـاهـدا على إثبات بصمة حضـور لـه فـي عالم متغيـر وظروف كونية تصبح الغلبة فيها لمن يمتلك ناصيـة العلـم والبحث والابتكار والإنتاجية والاختراع وبنـاء الانسـان.

لقد كان التعليـم الشـرارة التـي أوقـدت سـراج التغيير، وأسدلت الستار على حياة البؤس وشظف العيـش وغربة الأوطان ، حتى عـاش العمانيـون حـيـاة العزة والكرامة والقـوة والشموخ والرفعـة، فارتقـى شـانهم في العالميـن قـادة السلام والتنميـة والحـب والونـام ، لقـد بـدأت نواتـج التعليـم تظهـر علـى حيـاة الأمة العمانيـة، ولـم يـمـض الـعقـد الأول من النهضة العمانيـة إلا وقـد تحققـت لمسيرة التعليـم الكثيـر مـن الإنجازات وارتسمت معالـم تفوقهـا فـي العديـد من المواقف والأحداث، واثبت التعليم شواهد نجاحاته في قدرة أبناء عمان على إدارة موارد وطنهم والمساهمة الفعالة في بناء دولتهم، فتطورت البنية التعليمية وتنوعـت مراحل التعليم، وحقق التعليم المدرسي وما قبل المدرسي ارقاما قياسية صعبة على المستوى الكمـي فـي زيـادة أعـدد المدارس والكادر التعليمـي مـن المعلمين والإدارييـن والوظائف المساندة لها في البيئة التعليمية، كما تبع ذلك زيادة مستمرة فـي نسـب الالتحاق وقبـول الطلبـة بمراحـل التعليم المختلفـة مـن ريـاض الأطفـال وحـتـى التعليـم مـا بعد الأساسي والتعليم الجامعي، واتجهت مسيرة التعليم بعد عقديـن مـن الزمـن نحـو مشاركة المواطن في صناعة الإنجاز التعليمي والاستثمار في التعليم، وعبر منح التعليم الخـاص حضـورا واسعا فـي المنظومة التعليميـة وانشاء الجامعات والكليات الخاصة معبرا عن الشراكة المجتمعية في التعليم والاستثمار فيه، ناهيك عن مؤسسسات التعليم العالي المختلفة التي كان حضورهـا مـع العقد الأول مـن النهضة عبر الكليـة المتوسطة للمعلمين، ثم تلتها جامعة السلطان قابوس، وكليات العلوم التطبيقية والكليات التقنيـة وغيرها التي انتجـت اليـوم “جامعة التقنية والعلـوم التطبيقيـة”.

كما ساير ذلك اهتمامـا بجـودة التعليـم مـن خـلال تطوير المناهج الدراسية، والبرامج التعليمية، ونظـم التقويم التربوي، والاستفادة من الجهـود الدوليـة فـي تطوير التعليم، وترسيخ مبدأ النوعية في مساراته، والخطة الدراسية، وخيـارات الطلبة، والاهتمام بالمهارات والقدرات التعليمية العليا، والانشطة الابتكارية، والمشاركات الإقليمية والدولية لطلبة السلطنة وتعزيز بيئة التعليـم والتـعلـم واستراتيجيات التدريس وادخال التقنية في التعليـم كل ذلك وغيـره يرصد تحولات نوعيـة شهدتها مسيرة التعليـم فـي السلطنة، ما كان لها أن تحقق غاياتهـا وتصل الى مبتغاهـا لا بمتابعة القيادة ورعايتهـا لمسيرة التعليـم واخـلاص ابناء عمـان وادراكهم لحجـم مـا يعنيـه التـعليـم فـي مسيرة بناء الدول ونهضتها الاقتصادية والاجتماعية وامنها واستقرارها، وبمـا غرسه التعليـم فـي أبناء عمـان مـن روح وطنيـة عاليـة، وفكـر نوعـي فـي قـراءة المستقبل واحداثـه واعيـا بمتطلبات الواقع والتحولات التي شهدتها السلطنة في مختلف المجالات بما يضع التعليم أمام مسؤولية بناء ذاته وتطوير قدراته، ورسم معالم نجاحه، وصناعة الفارق وانتاج البدائـل والحلول للكثيـر مـن المشكلات والتحديات التي ارتبطت بالمتغيرات العالمية والمؤثرات الداخليـة والخارجية، كما أراد جلالة السلطان الراحل أن يظل التعليم الحارس الأميـن لنهضة الانسان، وتعزيز اركان الدولة، وبناء الثقة، وانتـاج القدوة، وصناعة النماذج.

ومـا اشـبه اليـوم بالبارحة، فالصفحة الخمسون قـد انتهت لتبدا فصلا جديدا ومرحلة انتقالية متجددة جاءت لتقرا في هذا الرصيد القابوسي الزاخر بالامل والإرادة والعلم والعمل والتقدم والازدهار مـدد لقـادم غمـان المستقبل ومنطلق لتحقيق الأمـال والأحلام لغمان كما أرادها سلطانها

الراحـل وهـا هـو العصـد السعيد بقيادة حضرة صاحـب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه ينسج خيوط الأمـل مـن جـديـد وفـي خطاب عمان المستقبل الذي حدد مرتكزات الدولة، واليات عملها وأجندتها ليضع التعليـم فـي قائمة الأولوياته، وأن يكـون حضـوره فـي مقدمة المقدمات، ليعيد انتاج الواقع التعليمي بما يتناغم مـع التحـولات المعاصرة، فلـم يكـن التعليـم حالـة وقتيـة منتهيـة مرتبطة بزمـن دون آخـر أو مرحلـة دون أخـرى، بـل خيار استراتيجي للدخول لفتح بوابة المستقبل واكتشاف أدوات القوة التي ستصنع لغمان قادما مشرقا زاهـرا، وهـو الهاجـس الـذي ظـل حـاضـرا فـي حكمـة القيادة العمانيـة ومنهجهـا الداعم لبنـاء الدولـة وتطويـر هياكلهـا، وتعزيـز قدرات المواطنين، وتحقيـق القـوة الاقتصادية والاجتماعيـة عبـر التنويع الاقتصادي، والوعي الاجتماعي، وبنـه قـدرات الشباب، وتكوين مهارات المرحلـة ليأتـي خطاب المرحلة مؤكـد علـى هـذه المسيرة المظفـرة التـي صنعهـا التعليـم منذ خمسين عامـا والـتـي بـدأت تـحـت ظـل الشـجـر إلـى أن أصبحت أرقاما صعبة، وانجازات في صورة معجزات، فإن ما تحقـق أعظـم مـن أي مقـال وأصـدق مـن أي وصـف.

لقد كانت خطوات العمل تتجه إلى التعليم المنتج الذي يقدم للحياة الفرص، ويتيح لهـا التثميـر فـي المـوارد والممكنات، وبعـث الفـرص الهامـدة، واعـادة استنهاضها واستنطاق معالمهـا فـي سبيل تحقيـق أولويات التعليـم في تعزيز البناء الاقتصادي وانتاج المعرفة وترسيخ الوعي، واعـداد المـوارد، وبنـاء القـدرات، وتعزيز السلوك الإيجابي وترقية الفكر الرصيـن والثقافة الواعية والأدوات الصحيحة لتحقيق المنافسة وصناعة الفـارق ، ومع كل التحولات التي ارتبطت بمسار التعليـم واتجاهـه إلـى العلـوم التطبيقيـة والاقتصادية والتقنية، وربط المواطن بالحياة والوظيفة إلى غير ذلك، إلا أن فلسفة التعليم التي انطلقـت مـن الفكر السامي للقيادة العمانيـة واصلت مسيرة التفوق العماني في الكثير من العلوم الإنسانية وغيرها والتـوازن الفكري الذي تعيشه غمان ظلت حاضرة في كل مراحل التطوير، وظل الاهتمام بتأصيـل دور التعليم في تحقيـق المواطنة، وترسيخ الهوية، وتعزيز الانتماء والولاء الوطني، وترقية السلوك الاجتماعي، والمحافظة على العادات والتقاليد والقيم الأصيلة والمبادئ الحكمة وقواعد السلوك الاجتماعي، ايمانـا مـن ان التعليـم الناجـح والقادر على انتاج فرص الحياة في فقهها

والتثميـر فيهـا بمـا يحفـظ دور التعليـم مـددا فـي نهضة الدولة وبناء الانسان، فان تعامل العمانييـن مـع أزمة كورونا (كوفيـد١٩) وغيرهـا التـي مـرت ببلادهـم وتناغم رؤيتهـم حـول غمـان، وما تركوه من سيرة حسنة وبصمـة شهد العالـم بهـا، خيـر دليـل علـى مـا حققـه التـعليـم بمـا يضـع أجيـال عمـان أمـام مسؤولية وطنيـة وأخلاقيـة وإنسانية عظيمة تستمد من المبادئ والمشتركات الوطنية منطلقـا لنهضـة إنسانية تتنـوع فـي مفرداتهـا وأهدافهـا ولكنهـا ثابتـة فـي مرتكزاتهـا ومبادئهـا القائمـة علـى الحـق والعدل والمساوة وتكافـو الفـرص. أخيـرا لقـد شـكل التعليـم وعلـى مـدى العقـود الخمسة الماضيـة قـوة ذاتيـة ودافعـا معنويـا لأبنـاء عمـان للمحافظة على وطنهم والعيـش فـي ظـلال السلام والتسامح والوئـام . وضمـان وحـدة الصـف وسـمو الكلمـة وحكمـة المواقـف وإدارة التغييـر وبنـاء عمـان الدولـة والأرض والانسـان، فعصـم ذلـك أبنـاء عمـان مـن التنازع والاختلاف والتمزق والتشتت أمام التحديات وتنوع المشكلات وتراكم الاحـداث، لتظـل عمـان تغـرد داخـل السـرب عندمـا يتجـه إلـى انسانيته ويؤمـن بشـراكة العالم. ويقتـرب هدفـه مـن روح المـودة والاخـاء والسلام والتعاون الدولـي وحـق الشعوب فـي تقريـر المصيـر وعـدم التدخـل فـي الشـؤون الداخليـة للغير وهي غيـر ذلك عندما يتجـه السرب للاعتداء والتنمـر السياسي وتضييع القيـم والاخلاقيـات ولغـة فـرض الواقـع والوصايـة والتهديد , إنه نهج التعليم وحكمـة القيادة التي وجهـت بوصلتـه فرسـم مـعالـم الطريـق وحـدد منهـج العمـل فحفـظ اللـه بهمـا عمـان .

المصدر:

نشرة العهد الجديد

نشرة تربوية عن المواطنة

العدد الخامس ديسمبر 2020

الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى