تعليم

الممارسة التأملية أسلوب للنمو المهني


الممارسة التأملية أسلوب للنمو المهني




الممارسة التأملية أسلوب للنمو المهني





ورقة عمل مقدمة للقاء رؤساء أقسام إشراف التربية الإسلامية





جدة





شوال 1424





د. راشــد بن حسين العبد الكريم





الإدارة العامة للإشراف التربوي





المصدر





اشتهر منحيان للنمو المهني، الأول المنحى التقليدي القائم على تقليد الخبراء والمهرة من العاملين، بحيث يتلقى المبتدئ المهارات عن خبير سبقه في المهنة، ليتدرج حتى يصل لمرحلة الإتقان، فيكون هو مسئولا بدوره عن نقل هذه الخبرة لمن بعده. والثاني المنحى العلمي، الذي يرى أن للأداء ضوابط “علمية” أثبتتها البحوث والدراسات، وأن على المستجد أن يطبق هذه الضوابط ويسير مستهديا بنتائج تلك البحوث حتى يتوصل للدرجة المطلوبة من الإتقان[1].





ويأخذ المنحى التأملي في التطوير المهني طريقا مغايرا لهذين الطريقين. فالتركيز في المنحى التأملي يكون على القناعات، حيث يفترض المنحى التأملي أن هناك قناعات كثيرة متجذرة في نفوس العاملين لم تتعرض للبحث والتمحيص، وهي المسئولة عن توجيه أنماط السلوك المستقرة لديهم[2]. فالتغيير في المنحى التأملي ينطلق من تغيير السلوك من خلال الكشف عن القناعات الكامنة التي تسير ذلك السلوك وتفحصها وطرحها للمساءلة والتأكد من سلامتها وموافقتها للقناعات المعلنة.





ورغم أن هذه القناعات التي تسير أفعالنا مغروسة في أعماقنا وتحت مستوى الوعي، فإن السبر والتحليل المنظَمين لسلوكنا يوضحانها ويكشفانها لنا. فمن خلال عملية الملاحظة والتأمل والتفكير يصبح الأفراد أكثر حساسية ووعيا للأنماط السلوكية الخاصة بهم، ويسهل عليهم تحديد القناعات التي تشكل سلوكهم[3].





التأمل النقدي هو عملية تحديد القناعات أو الفرضيات التي تحكم السلوك وتحسس جذور تلك القناعات، وإعادة النظر في معاني تلك القناعات والتحقق منها وبناء طرق بديله لأداء العمل Stein, 2000)).





تعتبر الممارسة التأملية منهجا فعالا للتطوير المهني. وقد ظهرت فكرة الأداء التأملي مقابلة لطريقة الأداء التقليدية القائمة على العمل الميكانيكي، والتي يقوم فيها المشرف بدور التقني الذي ينظر للمشكلة من جانب ضيق، وهو غالبا الجانب الذي يظهر فيه المعلم بوصفه أساسا للمشكلة، وليس للمشرف أي دور فيها.





فالإشراف التأملي يقف في مقابل الإشراف التقليدي الذي يكون فيه إصلاح التدريس أو النمو المهني بشكل عام ـ  قادم من الجهات الإدارية أو العلمية الأعلى، والذي يظهر فيه المعلم أو المشرف فقط متلقيا ومنفذا للتعليمات ودوره لا يتعدى تطبيق الأفكار والبرامج المعدة مسبقا.





في الإطار التقليدي يكفي المشرف التربوي لإجادة الإشراف امتلاك المعارف العلمية ومهارات التدريس، بينما في الإشراف التأملي مع أهمية المعارف والمهارات إلا أنه لا بد من وجود طرائق معينة للتفكير والتأمل فيما يعمله المشرف (Jay, 1999). ففي الإشراف التأملي ينظر للمشرفين على أن لديهم القدرة على تحديد المشكلات المتعلقة بإشرافهم، وطرحها للنقاش ومن ثم إيجاد حلول لها.





وفي الإشراف التأملي لا بد أن يكون للمشرفين دور في وضع أهداف وغايات العمل الذي يقومون به، ولا بد أن يتفحصوا (يتأملوا في) القناعات والفرضيات التي يقوم عليها إشرافهم، بمعنى أنه لا بد أن ينظر كل مشرف إلى ما يقوم به من عمل أثناء عملية الإشراف ويبحث عن الفرضيات والقناعات التي أدت إلى هذا العمل. ولماذا لم يؤده بطريقة أخرى، ويختبر هذه الفرضيات والقناعات ويعيد النظر فيها ليتأكد من سلامتها وأنها فعلا هي ما يريد. كذلك يدعو المنحى التأملي في النمو المهني إلى النظر للمعلمين على أنهم قادة تربويون في محيطهم المدرسي، لهم دور في وضع المنهج وتطوير المدرسة.





الإشراف التأملي أيضا يقابل الطريقة التقليدية في تطوير التدريس، التي ترى أن التطوير التربوي إنما يكون بتقديم حلول جاهزة للمعلم على شكل نماذج تدريسية أو حلول لمشكلات مدرسية تدريسية على المعلم أن يتبعها، بدلا من تطوير قدرات المعلم ودفعه لاتخاذ القرارات التدريسية القائمة على الفهم العميق والتفكير الطويل في الأوضاع التدريسية التي يعمل فيها المعلم.





والإشراف التأملي يقر للمعلم الجاد والخبير بامتلاك قاعدة ثمينة من الخبرة والمعلومات تؤهله إذا وجهت التوجيه الصحيح ونميت لأن تكون مصدرا من مصادر إصلاح التدريس وتطوير المدرسة.





وفي الإشراف التأملي ينظر إلى برامج إعداد المعلمين في كليات المعلمين وكليات التربية أنها مهما بلغت من الجودة والإتقان لا يعدو أن يكون دورها هو تأهيل المعلم للخطوات الأولى في التدريس. فالتدريس من وجهة نظر الإشراف التأملي هو عملية تعلم مستمر، يكتسب فيها المعلم بمهارات تحليل ودراسة أساليبه التدريسية.





التأمل يساعد المشرف على سد الفجوة بين النظرية والتطبيق، فتأمل المشرف في النظريات التربوية والتدريسية مع وضع الواقع العملي لمدرسته ومعلميه نصب عينية يساعده على الخروج بحلول مناسبة للمواقف التعليمية التي يواجهها مع الملعمين، بحيث يشتق من هذه النظريات حلولا عملية لمشكلات يلامسها في واقع الإشراف اليومي(Jay, 1999).





الإشراف التأملي يقوم على فرضيتين أساسيتين:





(1) المسئولية والإلتزام الذاتي بتطوير النفس،





(2) الحصول على المهارات اللازمة لمراجعة وتحليل ودراسة أساليب المشرف.





وفائدة الممارسة التأملية أنها تزود المشرف بفهم أعمق وأكثر استنارة لعملية الإشراف التي يمارسها. فبدل أن يقوم بالآداء الآلي للإشراف مسلما بقناعات ورثها من ماضيه يبدأ في طرح التساؤلات حولها ومحاولة تقييم فاعليتها وتفحص الأسس التي قامت عليها.





والمشرف المتأمل يتميز بخمس خصائص:





  1. يختبر ويؤطر ويحاول حل المشكلات التي تعترضه في المدرسة
  2. على وعي بالقناعات والفرضيات التي ينطلق منها في إشرافه، ويخضع هذه القناعات والفرضيات للبحث.
  3. متنبه للسياق (المحيط) المؤسسي والثقافي الذي يشرف فيه، وأثره في إشرافه.
  4. يشارك في جهود الإصلاح والتغيير في المدرسة.
  5. يتحمل مسئولية نموه المهني.




وتمر الممارسة التأملية بمرحلتين:





الأولى: تفحص القناعات التربوية والفرضيات، ويكون ذلك بأن يقوم المشرف بكتابة قناعاته ومبادئه التربوية فيما يخص عملية الإشراف، أو العلمية التربوية برمتها، بحيث يجب على أسئلة مثل:





  • ما هو الإشراف التربوي؟ وما هدفه؟
  • كيف يتغير أداء المعلمين؟
  • ما هو التعلم؟ ما هو دوري (أو دور المعلم) في إحداث التغير؟




ونحو ذلك من الأسئلة التي تكمن في إجاباتها القناعات التي توجه السلوك.





 وينبغي أن يراعى في الإجابة أن تكون على المستوى الشخصي، بحيث يبتعد المشرف عن الإجابات العلمية المستقاة من المراجع، أو النمطية، بل يحاول أن تكون الإجابات فعلا تمثل ما يعتقده الفرد وبلغته الخاصة.





المرحلة الثانية: يقوم المشرف التربوي بملاحظة ممارساته وتفحصها وتحليلها بشكل دقيق ومنتظم، ليتأكد هل هي فعلا تتناسب مع قناعاتها وتمثلها أم لا؟ وفي حال ظهور عدم تناسب فيسعى لمعرفة السبب. هل هو في قصور الممارسة عن مجاراة القناعة، أم في وجود قناعة خفية (في اللاوعي) تسير السلوك.





ويكون ذلك بكتابة التقارير الشخصية عن الأداء، أو كتابة المذكرات التسجيلية، أو بطلب التقويم من المعلمين أو الزملاء.





هذا التأمل هو الذي يثمر غالبا التغير المنشود والإيجابي في السلوك.





أنماط التأمل: (Jay, 1999)





هناك ثلاثة أنماط من السلوك التأملي:





1. التأمل الوصفي، حيث يقوم المشرف بوصف الموضوع الذي يتأمله ويفكر فيه. فالتأمل الوصفي يعنى بالإجابة على السؤال (ماذا يحدث؟) إلا أن عملية التأمل لا تكتفي بسرد الحقائق والوقائع كما هي، بل تهتم بتحري الأوصاف المهمة وذات المغزى، رغبة في معرفة الخصائص الأساسية للموقف أو الحالة التي نتأمل فيها. ورغم ما يبدو من سهولة وبدهية هذا النوع ـ أو المرحلة ـ من التأمل إلا أنها في الواقع مهمة، والتساهل بها قد يجر إلى أخطاء مضللة في التفسير. 





2. التأمل المقارن، حيث ييقوم المشرف بمقارنة عدد من التفسيرات للموضوع من منظورات مختلفة. وفائدة المقارنة أنها تفتح المجال لاحتمالات متعددة صادرة من مصادر شتى. فينظر المشرف للموضوع من وجهة نظر المعلم أولي الأمر أو المرشد الطلابي أو مدير المدرسة ، أو الطلاب أنفسهم(Jay, 1999). فالتأمل المقارن يسعى إلى البحث عن أراء أخرى لتنوير أرائنا المحدودة أو تأكيدها أو دحضها.





3. التأمل التقويمي، حيث يسعى التأمل لإعطاء أحكام. فينظر المعلم للموضوع في ضوء التفسيرات الأخرى واضعا في اعتباره تغييره إلى الأحسن. بحيث يصبح السؤال المطروح (بعد هذا، ماهو السبيل الأفضل لأداء هذا العمل؟).





المراجع





أوسترمان، و كوتكامب (2002). منير الحوراني (ترجمة). الممارسة التربوية للتربويين. دار الكتاب الجامعي. العين.





Jay. J. (1999). Untying the Knots: Examining the complexities of reflective practice. ERIC.





Stein. D. (2000). Teaching critical reflection, Myths and realities. ERIC.  





Wallace, M. (1991). Training foreign language teachers, A Reflective approach. Cambridge University press.










[1] . Wallace, M. (1991). Training foreign language teachers, A Reflective approach. Cambridge University press.





[2] . أوسترمان، و كوتكامب (2002). منير الحوراني (ترجمة). الممارسة التربوية للتربويين. دار الكتاب الجامعي. العين.





[3] . أوسترمان، و كوتكامب (2002). منير الحوراني (ترجمة). الممارسة التربوية للتربويين. دار الكتاب الجامعي. العين.


© موقع كنز العلوم.  جميع الحقوق محفوظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى