مفهوم الإشراف التربوي الحديث وكفاياته واتجاهاته
مفهوم الإشراف التربوي الحديث وكفاياته واتجاهاته
· مفهوم الإشراف التربوي الحديث وكفاياته واتجاهاته
مقدمة
يختلف مفهوم “الإشراف التربوي” باختلاف النظرة إلى العمليَّة التعليميَّة وأهدافها , وباختلاف النظرة إلى عمليتي التعليم والتعلم :
ففي الوقت الذي كان ينظر فيه إلى “التعليم” أنه عملية نقل المعلومات من المعلمين إلى المتعلمين ؛ كان “الإشراف التربوي” يضع في سلّم اهتماماته التأكد من تمكّن المعلمين من هذا الدور , وإتقانهم لهذه المهمة ؛ ولهذا فقد كان “التعلّم” يعني تلقي المتعلم المعارف والمعلومات , وكان “التعليم” يعني القدرة على نقل المعارف والمعلومات من المعلمين إلى المتعلمين ؛ لذا فقد كانت عملية “الإشراف التربوي” تقتصر على تقديم التوجيهات والتعليمات للمعلمين , في إطار من الاتصال الذي ينقصه الحوار والتفاعل بين المعلمين والمشرفين في أغلب الأحيان .
ولكن هذا المفهوم للإشراف التربوي لم يعد مقبولاً في ضوء التغيرات التي طرأت على العملية التربوية من حيث نظرتها إلى طريقة التعلم والتعليم , إذ لم تعد النظرة إلى “التعليم” تقتصر على نقل المعلومات والمعارف ؛ بل أصبحت تهدف إلى إحداث التغيرات الإيجابية في سلوك المتعلم من خلال الأهداف السلوكية المختلفة , وتبع ذلك تغير النظرة القاصرة إلى الإشراف التربوي ؛ لتصبح نظرة أكبر شمولية لعملية الإشراف التربوي وعلاقتها بالعملية التعليمية .
ومن هنا فقد تعددت تعريفات “الإشراف التربوي” في العصر الحديث بناء على المستجدات التربوية المعاصرة ؛ وفيما يلي عرض لبعض التعريفات الحديثة التي يؤمل أن تساعد في استخلاص تعريف إجرائي للإشراف التربوي :
1/ هو عملية التفاعل مع المعلمين من أجل تيسير عمليات إحداث التغيير الإيجابي في أدائهم لمهماتهم التعليمية والمساندة لعملية التعليم ، لتحقيق النمو المهني المتكامل(1) .
2/ هو نظام (System) متكامل العناصر له مدخلا ته وعملياته, ويستهدف إحداث تأثيرات إيجابية مرغوب فيها في كفا يا ت الفئة المستهدفة تسهم في تحسين عمليات التعليم والتعلم(2) .
3/ هو سلسلة من الجهود المخططة والمنظمة الموجهة نحو أداء المعلمين لمهماتهم التعليمية الصفية ؛ لمساعدتهم على تطوير قدراتهم ومهاراتهم في تنظيم التعليم وتنفيذ المنهاج التربوي وتحقيق أهدافه في فعالية وأثر(3) .
4/ هو تلك العملية المخططة والمنظمة والهادفة إلى مساعدة المديرين والمعلمين على امتلاك مهارات تنظيم تعلم التلاميذ بشكل يؤدي إلى تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية وتكون على هيئة نظام يتكون من مجموعة من العناصر أو العمليات, ولكل عنصر أو عملية وظيفة وعلاقات تبادلية مع بقية العناصر والعمليات , ولها مدخلات وعمليات ومخرجات(4) .
5/ هو جميع الجهود المبذولة في أداء المعلم من أجل تحسين عملية التعليم والتعلم(5) .
وبهذا فإن عملية الإشراف التربوي تعني أن عمل المشرف التربوي(6) :
تعليمي : يضع المعلمين أمام حقائق جديدة .
تدريبي: تدربهم على مهارات جديدة .
تنسيقي : يحرك المعلمين في إطار خطة منظمة موضوعة بالتعاون معهم .
تغييري : يستهدف إحداث التغيير في سلوك المعلمين وسلوك طلبتهم .
استشاري : يقدم المقترحات والبدائل لمعالجة الصعوبات التي تواجه التعليم والتعلم .
وبهذا فإن النظرة الحديثة للإشراف التربوي أنه عملية تساعد المعلمين على امتلاك القدرات لتنظيم تعلّم الطلبة بشكل يحقق الأهداف التربوية .
وإن النظرة الحديثة للمشرف التربوي أنه يقدم للمعلمين التدريب والتوجيه قبل أن يقوم بتقويمهم ؛ لأن التقويم يأتي بعد التخطيط والتدريب والتوجيه والمساعدة على استكشاف الموارد اللازمة لإقدار المعلم على أداء عمله , ولأن التقويم في الإشراف الحديث مرحلة من مراحل الإشراف وليس معادلا له .
ويحتم الاتجاه التكاملي في “الإشراف التربوي” أن يمتلك المشرف عدداً من الكفايات القيادية الأساسية ؛ فهو(7) :
مخطط : يحدد الأهداف ويعد خطة العمل , ومشروعات النمو المهني .
وقائد متطور : يتعامل مع المعلمين في جو من الأمن والثقة والاحترام .
ومقوم تربوي : يقوّم الخطط والبرامج حسب معايير موضوعة لهذه الغاية , ويتابع ما يترتب على التقويم .
ومؤمن بعمله وبمستقبل عمله , وملتزم بأخلاق مهنة التربية .
ومعني بتطبيق المنهاج : أي معني بتطويره وتنفيذه وتقويمه .
ومثقف : يوجه العاملين معه للاهتمام بالثقافة والقيم الثقافية .
وبناء على المفهوم السابق للإشراف التربوي فإن ثمة عدداً من الكفايات التي لا بد من أن يمتلكها المشرف التربوي منها(8) :
أ ــ التدريس الفعال : فلكي يستطيع تطوير أداء المعلمين , فإنه يجب أن يكون هو نفسه معلماً نموذجياً, فالمعلم لا يقتدي بمعلم فاشل, والمشرف التربوي يضطر –أحياناً- إلى لعب دور المدرس حين يُعَرَّف بأسلوب جديد أو يقترح وسيلة جديدة , أو يقدم درساً أنموذجياً .
ب ــ تحليل المناهج وتطويرها : فإذا كان من مهمات المشرف التربوي تنقيح المناهج وتطويرها ، فإنه لا بد من أن يمتلك المهارة التي تمكنه من تحليلها, وتشخيص نقاط القوة والضعف فيها , ووضع التصورات اللازمة لتحسينها أو تطويرها أو تغييرها .
جــ ــ التواصل الإنساني مع الآخرين: فإذا لم يملك القدرة على تفهم حاجات الآخرين , وتقبل نقاط ضعفهم , وتعزيز نجاحاتهم , ومعاملتهم باحترام وتقدير ؛ فإنه لن ينجح في عمله ؛ لأن الوصول إلى قلوب الآخرين هو الخطوة الأولى للوصول إلى عقولهم ودفعهم في الاتجاه الذي يريد .
د- تصميم البرامج التدريبية في أثناء الخدمة: أي قدرته على استقراء حاجات المعلمين, وآليات رفع مستوى أدائهم من خلال برامج واقعية غنية ومناسبة لمستوياتهم (النمو المهني) .
هــ- تقويم البرنامج التربوي: وهذا ينطبق على قدرات متعددة كتقويم عطاء المعلمين, وتقويم أداء التلاميذ من خلال بناء الاختبارات التشخيصية وتحليل نتائجها مثلا .
و ــ تنظيم العمل الجماعي : بكل ما ينطوي عليه من فهم لديناميات الجماعة وأساليب العمل الجماعي وتوجيهه .
ز ــ ممارسة العمل البحثي : فالمشرف التربوي ينبغي أن يكون قادراً على القيام بالبحث وبخاصة الإجرائي منه , ويجب أن يقدم المساعدة المتخصصة للمعلمين حين يحتاجونها في هذا المجال .
الاتجاهات الحديثة في الإشراف التربوي وأساليبه :
يزخر الأدب التربوي الحديث بكثير من الاتجاهات التي تبحث في الإشراف التربوي والقيادة التربوية , ولعل أبرزها الاتجاهات التالية :
1/ الإشراف العيادي ( الإكلينيكي ) : ويعرفه كوجان (Cogan) بأنه نمط من الجهود الإشرافية الموجهة بشكل مركز نحو تحسين ممارسات المعلمين التعليمية الصفية , انطلاقاً من تسجيل كل ما يجري في غرفة الصف من أفعال وأقوال تصدر عن المعلم والمتعلمين في أثناء العملية التعليمية , ثم تحليله بالرجوع إلى ما هو متوفر من معلومات حول المعلمين والمتعلمين (معارفهم وخبراتهم واتجاهاتهم ومهاراتهم …الخ)(9).
2/ الإشراف باستخدام التعليم المصغر : هذا الإشراف المنطلق من تصور كامل وواضح للكفايات والمهارات العملية الأساسية التي يحتاج إليها المعلمون في أدائهم لمهماتهم التعليمية في إطار دورهم ومسؤولياتهم ومن ثم يجري تقسيم الكفايات وما تتضمنه من مهارات أساسية إلى مهارات فرعية متكاملة يجري التركيز على إكسابها للمعلمين المستهدفين بصورة متدرجة ونامية الواحدة بعد الأخرى في مواقف تعليمية/ تعلميه مصغرة. وتتابع عملية الإشراف دورها لتحقيق التكامل بين المهارات المترابطة التي تنتظم في كفاية كبرى واحدة إلى أن يتحقق للمستهدفين إتقانها في كل متكامل وبشكل جيد .
3/ الإشراف الجمعي / الزمري / الفريقي : وهذا النوع من الإشراف ينطلق من حقائق ومسلمات أساسية هي(10):
أ / إن تضافر الجهود الإشرافية المتنوعة والمتكاملة لعدد من المشرفين التربويين والخبراء من ذوي الاختصاص والاهتمامات المختلفة يمكن أن يلعب دوراً إشرافياً فاعلاً , ويقدم خدمات إشرافية متكاملة لمعلم فرد , أو لعدد من المعلمين الذين تجمعهم حاجات مهنية أو تدريبية مشتركة .
ب/ ثمة فئات من المعلمين والعاملين التربويين يشتركون في حاجات مهنية وتدريبية مشتركة تتطلب خدمات إشرافية معينة يمكن أن يقدمها لهم مجتمعين مشرف فرد , أو فريق من المشرفين والخبراء بصورة متكاملة شاملة , يجري فيها تناول الكفاية أو الكفايات المستهدفة من جميع جوانبها (النفسية والتربوية والأكاديمية والأدائية) .
جـــ/ أن التغيير والتطوير الذي قد يعجز مشرف فرد عن تحقيقه بسبب تعدد جوانبه وتنوع الكفايات اللازمة للتأثير فيه يستطيع الإشراف الفريقي إنجازه بكفاية وفاعلية .د/ أنه يشكل قوة داعمة أكبر , تستطيع مواجهة أية مقاومة متوقعة لإحداث التطورات المنشودة , وتكون أقوى من أي مشرف فرد , فالفريق أقدر من الفرد على التصدي للتغيير والتطوير .هــ/ إنه يوفر مصادر متعددة ومتكاملة للخبرة اللازمة لإحداث التغييرات والتطويرات المنشودة .و/ إنه يضمن تحقيق الشمولية في العملية الإشرافية بحيث تشمل مختلف عناصر وجوانب النظام التربوي والعملية التربوية .ز/ إنه يعمل على إزالة التضارب والتناقصات التي تصيب الفئات المستهدفة من جراء التناقصات في التوجيهات والتعليمات التي يتلقونها في إطار الإشراف الفردي .حـ/ إنه يجنب العملية الإشرافية الآثار السلبية التي قد تنشأ عن وجود مشرف ضعيف, قد يصيب ضعفه الكثير من أفراد الفئات المستهدفة .ط/ إنه يتمتع بمرونة تسمح بتعديل وتغيير أعضاء الفريق الإشرافي عندما تتغير أهداف الإشراف أو المشروع المستهدف .ومما لا شك فيه أن أساليب وطرائق الإشراف التربوي تتنوع بسبب عدد من العوامل التي تؤثر على تحديد نوعية الأسلوب الإشرافي , ولعل أبرز تلك العوامل ما يلي :– الهدف الإشرافي .
– طبيعة الفئة المستهدفة من النواحي المهنية والشخصية العامة والخاصة .
– الإمكانات المادية والبشرية الداخلية الخاصة بالمشرف , والإمكانات الخارجية الخاصة بالفئات المستهدفة وبيئاتها .
– كفايات المشرف التربوي وإمكاناته .
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.