الفلسفة والعلم
أولا: معنى العلم:
كلمة العلم في اللغة العربية تحمل معنيين مختلفين الأول: معنى واسع يرادف المعرفة ومن ذلك قوله تعالى: “وقل رب زدني علما” أي معرفة، أياً كان ميدان هذه المعرفة، ونحن نقول في حياتنا اليومية: “لا علم لي بهذا الموضوع” أي لا أعرف عنه شيئا، والثاني: معني ضيق هو الذي يرادف العلم التجريبي Science على نحو ما يتمثل في “علم الطبيعة” و “علم الحياة” والكيمياء.. إلخ، وهو ضرب من المعرفة المنظمة التي تستهدف الكشف عن أسرار ظواهر الطبيعة، بالوصول إلى القوانين التي تتحكم في مسارها، ومن ثم تمكننا من السيطرة على الطبيعة لصالح الإنسان، ومن هنا ذهب “بيكون” إلى أن المعرفة قوة، لأنني لو عرفت القوانين التي تتحكم في ظاهرة معينة استطعت أن استخدمها لتنمية حياة البشر: وهذا هو المعني الذي نقصده هنا من كلمة “علم”.
يتميز العلم بأربع خصائص اساسية يمكن ان نوجزها فيما يلي:
(1) دراسة الظواهر الحسية:
إن الدراسة العلمية تنصب على ظواهر الطبيعة أو الوقائع الحسية، فلا شأن للعلم بعالم ما فوق الحس، وإنما هو يدرس ظواهر محسوسة ملموسة أمامنا: ظاهرة المطر، ظاهرة الغليان ارتفاع الحرارة أو انخفاضها، النبات، ونموه، طبقات الأرض.. إلخ، فهو باختصار يقوم بتفسير ظواهر الكون المادية الحسية عن طريق استقراء هذه الظواهر (لاحظ أن كلمة الاستقراء تعني حرفيا اقرأ بإمعان، فالبحث العلمي هو قراءة دقيقة لظواهر الطبيعة).
( 2 ) تحويل الكيف إلى كم:
يتميز العلم بأنه يحيل الكيف إلى كم، والكيف هو وقع الأشياء على الحواس. طعم الشاي على لسان شاربه “کیف”، وملمس الماء على أطراف الأصابع “کیف”، والضوء الأخضر الذي تراه العين “کیف” والصوت العذب في أذن السامع کیف .. إلخ وهذه كلها کیفيات نجدها في حياتنا اليومية، لكن العلم لا يكتفي بهذه الإحساسات الشخصية الذاتية، فالعلم موضوعي، ولهذا نراه يشترط تحويل إدراكنا الكیفی للأشياء إلى إدارك كمي والكم هو ما يمكن لأي إنسان قياسه. فإذا ما تحدثنا عن الحار والبارد والدافئ، فإن علم الطبيعة يحولها إلى درجات يمكن قياسها بالأرقام، حتى أن البارد والدافئ يصبح درجة حرارة معينة، كما يرجع الضوء إلى طول الموجات أو قصرها، والصوت إلى سعة الذبذبات.. وهكذا.
(3) التراكم:
المعرفــة العلميــة «تراكمية». فكل جيل من العلماء بما يكتشــف من قوانين يشــيد ً طابقا في البناء العلمي، ثم يأتي الجيل الثاني ليكشــف عن مجموعة أخرى من القوانين تكون أكثر شــمولا ولهذا يشبهون المعرفة العلمية بالبناء الذي يقام طابقا فوق طابق مع فارق أساسي هو أن سكان هذا البناء ينتقلون ً دوما إلى الطابق الأعلى، فهم كلما شيدوا جديداً انتقلوا إليه، وتركوا الطوابق السفلى لتكون مجرد أساس يرتكز عليه البناء.
(4) المنهج التجريبي: يســتخدم العلم في دراســته للظواهر منهج البحث التجريبي، وهو أساس من أسس الدراسة العلمية بــل هو العنصر الثابت في كل معرفة علمية، لأن مضمون هذه المعرفة والنتائج التي نصل إليها تتغير على نحو مستمر، أما المنهج فيظل ً ثابتا مهما تغير المضمون والنتائج.
ولهذا المنهج أربع خطوات نوجزها فيما يلي:
أ – الملاحظة المقصــودة أو العلمية: وهي أولى خطوات البحث العلمي وتتميز بأنها مقصودة ويهدف العالم من خلالها إلى الكشف عن تفصيلات الظاهرة والعلاقات الخفية التي توجد بين عناصرها أو بينها وبين بعض الظواهر الأخرى، بينما تتميز ملاحظاتنا اليومية العادية بأنها عابرة وغير مقصودة. وعلــى الرغم من الفــروق الجوهرية بين الملاحظة العابرة والملاحظــة العلمية فإنه كثيراً ما تتحول الملاحظــة العابــرة إلى ملاحظــة علمية، «فنيوتن» من ملاحظته العابرة لســقوط التفاحة اكتشــف قانون الجاذبية، وتاريخ العلم ملآن بالملاحظات التي أدت إلى اكتشــاف قوانين هامة، ولكن يشــترط أن تمثل هذه الملاحظات بداية لدراسة علمية.
ب – وضع الفروض: إذا ما انتهى العالم من ملاحظة الظواهر وتسجيل تفصيلاتها، وتصنيف ما يمكن تصنيفه منها فإنه يفرض الفرض الذي يفســرها، فإذا أثبتت التجربة صحة تفسيره، أصبح فرضه حقيقة واقعة، وإن كذبت التجربة هذا الفرض افترض سـببا آخر حتى يصل إلى الحقيقة وفق قواعد عملية لاختيار الفروض، فالفرض في تعريفه هو تفسير مؤقت لظاهرة موضوع البحث.
ج – إجراء التجارب: وهو لب المنهج «التجريبي» الذي أخذ منه اسمه.
فالملاحظة وحدها تعجز عن تحليل الشــيء إلى عناصره أو بيان نسب هذه العناصر، فإذا كانت تطلعنا على أن الماء يغلي فهي لا يمكن أن ترشدنا إلى أنه مركب من عنصرين هما الأكسوجين والهيدروجين بنسبة 1 إلى 2.
د – الوصول إلى قانون: الخصائص الســابقة من ملاحظة ومشاهدة وإجراء تجارب… إلخ، لن تكون لهــا قيمة – رغم أهميتها – ما لم تتوجها خطوة حاســمة.. هي الوصول إلى قانون «فلاعلم بغير قانــون». فإذا كان العلــم يبدأ من ظواهر جزئية فإنه لا يكتفي بها ويســتهدف الخروج منها إلى قانون عام. فالقانون العلمي لا يعد تفســيراً للأمثلة الظاهرة التي أجرى عليها العالم أبحاثه، وإنما هو تفسير للظاهرة – في كل أمثلتها – فهو يمثل القانون العام لها. وهذا هو الفارق بين ربة المنزل التي تغلي الماء عشرات المرات وبين العالم، فهي تقف عند الظاهرة الجزئية ولا تخرج منها إلى قانون عام، ولهذا فمهما أجرت من«تجارب» فهي لن تكون عالمة! وعلينــا أن ننتبه جيــداً إلى الفرق بين الوصول إلــى القوانين التي هي جوهر العلــم، وبين الجانب التطبيقي لهذه القوانين أو ما يســمى بالتكنولوجيا أو التطبيقات التقنية للعلم، التي تحيل هذه القوانين إلى أجهزة ومخترعات، وآلات تيسر حياة الإنسان وتعمل على رفاهية البشر.
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.