أسس دراسة الأخلاق
إن معرفة الأســس التي تقوم عليها دراسة علم الأخلاق تتطلب منا، وبالضرورة، التركيز على نقطتين رئيستين هما:
١ – أهمية دراسة الأخلاق والقيم الأخلاقية
٢ – موضوع علم الأخلاق.
أهمية دراسة الأخلاق والقيم الأخلاقية
إذا كان للعلــم أهمية في رقي الإنســان وتقدمه من الناحية المادية، فــإن للأخلاق أهمية أكبر، لأنها تتصل بالناحية الروحية عند الإنســان. ففي الوقت الذي لا نتوقع فيه من كل إنســان أن يكون ً عالما وعلى دراية تامة بكل النظريات العلمية فإننا نتوقع منه أن يدرك معنى الواجب، وأن يهدف إلى تحقيق المبادئ الخلقية من وراء أعماله وتصرفاته.
ولذلــك، فإن القيم والمبادئ الأخلاقية من القضايا الرئيســة التي يجب أن يهتم بها كل إنســان في حياته. فكل منا بحاجة إلى مبدأ خلقي لكي يبني عليه تصرفاته ويبرر بالاستناد إليه أعماله، وبالتالي يكون ً إيجابيا تجاه المشكلات التي تعرض له في هذه الحياة.
من هذا المنطلق، نجد أن الأخلاق قد احتلت في المذاهب الفلسفية المختلفة، وعلى مر العصور مكانا متميزاً، باعتبارها – منذ نشــأة التفكير الفلســفي – ً مبحثا ً أساســيا من مباحث الفلسفة. والأخلاق كما يدرسها الذي يفرض علينا أن نفصل ً فصلا الفلاسفة تشكل ً موضوعا لعلم يطلقون عليه اسم «علم الظواهر الأخلاقية» ً تاما بين دراسة ما هو كائن، وما ينبغي أن يكون. كما يهدف إلى وضع القوانين والمبادئ الأخلاقية العامة التي ينبغي أن يسير بمقتضاها السلوك الإنساني. ومن هنا جاءت أهمية دراستنا للمبادئ والقيم الأخلاقية.
موضوع علم الأخلاق:
كلنا يحكم على الأعمال بأنها خير أو شــر، وهذا الحكم متداول بين الناس على اختلافهم وتباينهم في الغايات التي ينشــدونها في حياتهم. ولكن، هل يعني ذلك أن كل الأعمال صالحة لأن يُحَكم عليها بالخير أو الشر؟ إن هناك أعمالا ً غير إرادية تصدر عن الإنسان دون تدخل منه: كالتنفس، ونبضات القلب،وحركة رموش العينين، وهي أعمال لا تشــكل ً موضوعا لعلم الأخلاق، وبالتالي لا يحكم عليها بالخير أو الشر، ولا يحاسب الإنسان عليها.
أما الأعمال الإرادية التي تصدر عن فاعلها بإرادة واعية، وتفكير عميق في نتائجها، كمن يرى أن بناء مستشــفى في بلده ينفع قومه ويخفف من آلامهم، فيفعل ذلك، ومثل من يعزم على قتل إنســان اختلف معه على ٍ أمر ما، ثم ّ ينفذ ما عزم عليه، فهذه الأعمال هي التي يحكم عليها بالخير أو الشر، ويكون الإنسان ً عنها ويحاسب على القيام بها.
إذن: ما موضوع علم الأخلاق؟
إن موضوع علم الأخلاق هو الأعمال التي تصدر عن الإنســان بطريقة عمدية، وبإرادة حرة، وبوعي تام بنتائجها، ويمكن الحكم عليها بالخير أو الشــر. أما الأعمال التي تصدر عنه بصورة لا إرادية فليســت من موضوع علم الأخلاق. بعد أن عرفنا أهمية دراســة الأخلاق والقيم الأخلاقية، وكذلك موضوع علم الأخلاق، يجدر بنا أن نقف على الأسس العامة التي ترتكز عليها دراسة الأخلاق، والتي يمكن أن نجملها في النقاط التالية:
أولا – الأخلاق معيارية:
فــي الوقــت الذي نجد فيه أن العلوم المختلفة كالطبيعة، والكيميــاء، والأحياء وغيرها تدرس ما هو كائــن، أي تدرس الحالة التي توجــد عليها الظواهر الكونية المختلفة، دراســة وصفية دون القيام بعملية تقويمية لها، نجد أن الأمر يختلف بالنسبة لعلم الأخلاق، الذي لا يكتفي بوصف مظاهر السلوك الإنساني فحسب وانما يعنى قبل كل شيء بدراسة ما ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك. أي أن مهمته الرئيسة، هي إصدار أحكام تقويمية يميز بمقتضاها بين الأفضل والأسوأ، أي بين الخير والشر. والأخلاق بهذه المهمة تعتبــر علما ً معياريــا (Science Normative (يبحث في المعايير التي يجب أن يخضع لها الســلوك الإنساني. تلك المعايير التي تتمثل في المبادئ والقيم أو المثل العليا التي تشكل موضوع علم الأخلاق – كما ذكرنا ً سابقا – ويتم بمقتضاها تقويم ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأقوال.
ثانيا – تحقيق المثل الأعلى:
يتميز الإنســان عن غيره من الكائنات الحية في نمط معيشــته، فنحن نرى أن الحيوانات تعيش على نمط واحد لا يتســم بالرقي أو التقدم. فمعيشــة القــط – ً مثلا – ً قديما، هي معيشــته اليوم. وبناء النحل لخلاياها السداســية الشــكل ً قديما، هو نفس ما تقوم به الآن.. أما الإنسان فدائم الترقي والتقدم، لأن أمامه « ً مثلا أعلى» ّ يجد في الوصول إليه ويسعى إلى تحقيقه.
ولذا، ينبغي أن يكون لكل إنســان «مثل أعلى» يســعى لتحقيقه ويوجه أعماله للوصول إليه. ذلك لأن الإنســان في هذه الحياة تحيط به قوى مختلفة: شــهوات تتجاذبه وعوائق وصعوبات ّجمة تعترضه، ّن «مثله الأعلى» تقاســمته هــذه القوى واضطربت ومؤثــرات متباينة تتنازعه، فــإن لم يحدد هدفه ويعي مســالكه، واختل توازنه. وهكذا نجد أن البحث في طبيعة المثل العليا وكيفية تكوينها يشــكل الأســاس الثاني لدراسة الأخلاق.
ثالثا – الأخلاق سلوك عملي:
ينبغي ان لا يفهم أن غرض علــم الأخلاق يقتصر على معرفة القواعد والمبادئ الأخلاقية فحســب، وإنما من أغراضه ً أيضا التأثير في إرادتنا وحملنا على أن نشكل حياتنا ونصبغ أعمالنا بصورة تتفق وهذه المبادئ حتى نحقق المثل الأعلى للحياة ونحقق خيرنا وكمالنا ومنفعة الناس وخيرهم، فهو يشجع الإرادة على فعل الخير. وهذا يعني أن علم الأخلاق ليس ً علما ً معياريا ( ً نظريا) يضع القوانين العليا والمبادئ الأولى للأخلاق كمعايير يسير بمقتضاها السلوك الإنساني فحسب، وإنما هو ً أيضا علم تطبيقي (عملي) يبحث في كيفية تطبيــق هذه المعايير على ظروف الحياة وملابســاتها. وبهذا لا يكــون للقواعد الأخلاقية كيان قائم بذاته، ً مستقلا عن مجال التطبيق العملي لأفعال الناس وسلوكهم. فقيمة الخير – ً مثلا – تظل عبارة جوفاء لا معنى لها، ما لم تترجم ً عمليا في سلوك الناس وأفعالهم.
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.