النص الاثرائي ملامح الرومانسية عند ايليا ابو ماضي لمادة اللغة العربية للصف الحادي عشر الفصل الدراسي الثاني

النص الاثرائي ملامح الرومانسية عند ايليا ابو ماضي لمادة اللغة العربية للصف الحادي عشر الفصل الدراسي الثاني لمنهج سلطنة عمان
ملامح الرومانسية عند إيليا أبي ماضي
يترجّح شعر إيليا أبي ماضي بين مختلف التيّارات المذهبية الأدبيّة. ففي قصيدة نراه كلاسيكيّاً تقليدياً، وفي أخرى
نراه وجودياً ملتزماً متأمّلاً، وبين هذا وذلك نتحسّس رومنسيته فضلاً عن المنحى الوطني والقومي الذي غلب على معظم القصائد.
المهم في هذا السّياق محاولة تبيان تلك النفس الرومنسية الخبيئة عند أبي ماضي وقد علت شعره نزعة تأملية في
الإنسان والكون والحياة والطبيعة من دون أن يفضي به ذلك إلى حدود الفلسفة على نحو ما نراه في أدب جبران ونُعيمة. فأبو ماضي لم يغرق في عوالم الغيب بل بقي على صلة بواقع مجتمعه، لا يطيل التفكير في أسرار الوجود وألغازه، مكتفياً بنثر علامات الاستفهام شمالاً ويميناً دون أن يرد جواباً، وينتهي إلى نوع من الإطمئنان السّلبي يتلخص في أن الحياة نهايتها، ستار يسدل على فصلها الأخير، فتترك دويّاً في الآذان، وتهاويل في العيون، ثم تتلاشى شيئاً فشياً إلى أن يُخمد الموت صوتها.
يقول أبو ماضي حول الموت، وهو من أهم موضوعات الرومنسيّة:
أنا وإن أغمض الحِمامُ جفوني
وَدَوى صوت مصرعي في المدينة
وتمشتى في الأرض داراً فدارا
فسمعت دویه وأنینه
لا تصیحي واحسرتاه لئلا
يدرك السّامعون ما تضمرينه
وإذا زُرتني وأبصرت وجهي
قد محا الموت شگّه ویقینه
لا تشقي عليّ ثوبك حزناً
لا ولا تذرفي الدموع السخينة
غالبي البأس واجلسي عند نعشي
بسكون إني أحبّ السكينة
لم تدرك هذه الأبيات الغزلية من حيث هي تعبير عن وجدان المحبّ ورثاء ذاتي من حيث هي وصف للموت المتأمل ،
غايتها إدراكاً واضحاً. فكأن الشاعر يبث من عالم الذّهول بعد أن ضاقت عليه رقعة الدنيا حتى صار ينشد نشيداً آخر لم نألفه فيه. فاللحن الطاغي على الأبيات كلها لحن جنائزي، موحش حالك الشواد من الوجدان الصرف الذي نتقبله ونتأثّر به.
إنّها قصيدة الحزن المشبع بالعبث والحيرة والبكاء على تصّرم الزمن وباطل السعادة، وقد تحرّر أبو ماضي في ذلك من الوصف المبتذل والرّصف الرتيب والمحاكاة الجوفاء وأغرق نفسه في عالم العاطفة المطلقة حيث هي غاية نفسها.
أما قصيدة (المساء)، فآية الأصالة فيها أنّها جاءت خلواً من الصّور الضبابية والشطحات الفكريّة، التي تعرفها في كثير من الشعر الرومانسي الذي يتخذ اللّيل محوراً لتأمّلاته وصوره. ومع ذلك فإنّها تثير خيال القارئ، وتسبح به في آفاق بعيدة، ولكنها قريبة من تصوّراته وليست بعيدة عن أفكاره ومشاعره. فالصور الكآبيّة التي استخدمها (أبو ماضي)
للتعبير عن مخاوف الليل وأوهامه في نفس الصبيّة، والصور المشرقة التي جاء بها للبهجة والأمل، كلها مستقاة
من الوقائع بلا اعتساف ولا غموض. وذلك هو الإبداع: أن يبلغ الفنّان غايته من طرق استيحاء الواقع لا البعد عنه.
فالحياة أكثر غنى بصورها ومعانيها من التخيلات. إن قصيدة (المساء) تبين قدرة أبي ماضي على خلق جوّ من التأمّلات الموجبة والعبر المقنعة، والرّبط بين المشاعر والطبيعة. أما التأمل، فوحي بعدم التردّد، والثبات على رأي متفائل في النظر إلى الإنسان والكون والحياة بإخلاص في نقل الحقيقة الشعريّة المصوّرة لهذه الرّغبة في البقاء، برغم ما يعتريها من قلق على القدر المحتوم. وهو لذلك يدعو الفتاة إلى مواجهة الشيخوخة بتماسك متفائل. ثم لِمَ الابتئاس، والعمر في زوال، والمصير واحد؟
تتبدّى الطبيعة في هذه القصيدة في مظهرين متمايزين: الطبيعة الشاحبة، كما تراءت لسلمى بسحبها المذعورة ،
وشمسها العاصبة الجبين وبحرها الضّامت مما يبعث في النفس شعوراً بالذعر والقلق والأسى. والطبيعة الضحوك، كما
تجلّت للشاعر، بخرير جدولها وحفيف أوراقها، وصداح عندليبها، مما يساعد على الاطمئنان والانشراح والشعور بالجمال.
ولعلّ أبرز العناصر التي تميزت بها القصيدة، تكاثر الرموز الدّالة على ما وراء المعنى الظاهري. فـ (المساء) رمز
للكهولة و (الليل) رمز للفناء و(السحب) رمز للطفولة المتوارية، وهي رموز لا توحي بالغبطة والفرح، إنما توحي بالشكوى
والأسى، مما يتلاءم والصّورة التي رسمها للفتاة: فتاة ترى العمر يتلاشى ، فيعتريها الخوف من اقتراب الليل ، أي الفناء.
فالجانب الأول من القصيدة فيه تأمل للشّحب الهاربة، والشمس العليلة، والدجى الجاني، وموت الصباح وهجوم
الليل. وهو تصوير للجانب الحزين المحطم من الحياة، ويكشف عن عمق الإحساس الرومنسي نحو الجمال الزائل.
أما في الجانب الآخر، الجانب المضيء من القصيدة فيتراءى إحساس قويّ بلذة الحلم والخيال والرؤى، يتبدّى في
نظرة أبي ماضي على (الحبّ) الذي (تذبل أزهاره) ولا (تأفل نجومه)، إلى طاقة قادرة على تحويل الكهولة إلى فتوة دائمة
لا تمتد إليها أيدي الواقع المرير.
د.يوسف عيد
(المدارس الأدبية ومذاهبها)
ج٢ ص-ص: ١٤٧-١٦٠
دار الفكر اللبناني – بيروت ١٩٩٤
شاهد ايضا
النص الاثرائي الاسلوب الجبراني لمادة اللغة العربية للصف الحادي عشر الفصل الدراسي الثاني
النص الاثرائي بين العواصف والرابطة القلمية لمادة اللغة العربية للصف الثاني عشر الفصل الدراسي الثاني
شرح وملخص وحل درس البنفسجة الطموح لمادة اللغة العربية للصف الحادي عشر الفصل الدراسي الثاني