نص الاستماع لدرس الرازي لمادة اللغة العربية للصف التاسع الفصل الدراسي الاول
هنا نص الاستماع لدرس الرازي لمادة اللغة العربية للصف التاسع الفصل الدراسي الاول لكتاب لغتي الجميلة لمنهج سلطنة عمان
أفلت شمس الحضارة العربية بعد أن رفدت مسيرة التراث الإنساني العلمي خلال عدة قرون، فأسهمت في إغناء الإنسانية، ورغم أفول ذلك المجد الغابر، بقيت تسطع في سماء العلم، نجوم لامعة، يبعث نورها وذكرها الفخر والعز في نفوسنا، فتحفزنا على السير حتى نلحق بركب الحضارة، لنعود مجددا مبدعين بعد أن أصبحنا مقلدين ومن هذه النجوم الزاهرة أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، الطبيب والكيميائي والصيدلي والفيلسوف المسلم.
ولد الرازي في مدينة الري في خراسان شرقي مدينة طهران حاليا، وأمضى أكثر شبابه فيها، وكانت الري يومئذ حاضرة علمية وثقافية مهمة تعقد فيها حلقات العلم وندوات الثقافة، وقد تأثر الرازي اليافع بهذا المحيط، ودفعه ذكاؤه وطموحه إلى التعلم ؛ فأقبل منذ صغره على الرياضيات، والفلك، والطب، والمنطق، والكيمياء، واشتغل بها، وتعلم الأدب، ودرس كتب الفلسفة.
وعندما جاوز الثلاثين رحل إلى مدينة بغداد، حيث بدأ في دراسة الطب بكل عزم وإصرار؛ فأخذ يتردد على البيمارستان، واتصل بمشاهير الأطباء يسألهم عن كل ما يراه ويسمعه، وفي الوقت نفسه كان يتابع بحثه واطلاعه في أمهات الكتب الطبية المتداولة في ذلك الوقت، وبدأ العمل في المستشفى المقتدري، في بغداد، ثم عاد أدراجه إلى بلده حيث مارس الطب فما لبث أن سطع نجمه، واشتهر اسمه، فعين رئيسا للأطباء في البيمارستان الملكي في الري. وكان لذلك يتنقل كثيرا بين بغداد والري، مما أتاح له خبرة عملية كبيرة.
ولقد تمثل إسهام الرازي العلمي في عدد كبير من الابتكارات والاختراعات التي سجلت باسمه في مجال الطب والصيدلة والكيمياء، مما يدل على نبوغه وتفوقه في تلك العلوم؛ ففي مجال الطب قام الرازي بتجربة الأدوية الجديدة على الحيوانات قبل وضعها للتداول الطبي؛ لمعرفة فعاليتها، وآثارها الجانبية، كما اكتشف خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات واهتم اهتماما كبيرا باختبار مواقع بناء المستشفيات، وضرورة توافر الشروط الصحية والطبيعية فيها، وكان منهجه في علاج مرضاه يعتمد على الملاحظات السريرية، وربطها بالسن والوضع الاجتماعي والنفسي للمريض. وكان يهتم بالعلاقة بين المرض والحالة النفسية للمريض أو المزاج، يقول في ذلك زينبغي للطبيب أن يوهم المريض الصحة ويرجيه الشفاء، وإن كان هو غير واثق بذلك؛ لأن مزاج الجسم تابع لأخلاق النفسس. وفي مجالي الصيدلة والكيمياء كان الرازي أول من نادى بفصل الصيدلة عن الطب، وكذلك أول من جعل الكيمياء في خدمة الطب بعيدا عن الشعوذة التي صاحبتها في ذلك الوقت، كما توصل إلى تحضير عدد غير مسبوق من المواد الكيميائية، وأدخل العديد منها في المعالجة الدوائية ففتح بذلك باب الصيدلة الكيميائية؛ فهو مثلا أول من حضر مادة الكحول بعد تخمير بعض المحاليل السكرية، وحضر زيت الزاج (حمض الكبريت بتقطير الزاج الأخضر ، وعلى الرغم من ابتكاراته الكيميائية الدوائية إلا أنه كان يفضل العلاج بالأعشاب.
كان الرازي محبا للفقراء يعطيهم العلاج مجانا ، وكان كثيرا ما ينصح تلاميذه قائلا: وعلى الطبيب أن يطمع في شفاء مريضه أكثر من رغبته في نيل أجوره، وعليه أن يفضل معالجة الفقراء على معالجة الأغنياء، ويجب أن يكون دقيقا في تعليماته جادا في نفع السواد الأعظم من الناسس. أما هو فقد عاش في بساطة وتواضع فأحبه العامة، واقترب بنبوغه وتفوقه العلمي من الملوك والأمراء، فكان ذلك سببا في حقد زملائه عليه وضيقهم به وبشهرته ،وبكرمه فزوروا التهم ضده حتى أبعده الخليفة من بغداد إلى مدينته الري، وحرمه من كل المناصب التي كان يشغلها بكفاءة واقتدار.
توفي الرازي عام 311 هـ / 923 م ، مخلفا وراءه كتبا عديدة وصلت وفق بعض الروايات إلى مائتين وثلاثين، بين مؤلفات كتبها بيده أو ترجمات قام بها من لغات أخرى تبحث في الفلسفة والعلوم الدينية والفلك والفيزياء والرياضيات، فضلا عن كتب أخرى تبحث في فن الطبخ والشعر الغنائي. ومن أشهر الكتب التي تركها الرازي وتعد علامات بارزة في تاريخ العلوم، كتابس الحاوي في التداويس وهو أشمل ما ألف في العلوم الطبية، وكتابس المنصوري في الطبس وهو مختصر للحاوي، وقد ترجم إلى اللاتينية، وبقي يدرس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر، وكتاب زالجدري والحصبةس وبين فيه لأول مرة الفرق بين أعراضهما، وكتاب زبرء الساعةس وتناول فيه الأمراض التي تشفى في ساعة لبيان احتيال الأطباء في إطالة فترة العلاج وكتابس من لا يحضره طبيبس وهو مرشد للمسافر أو من لم يجد طبيبا في محيطه. أما أشهر مؤلفاته في الكيمياء فتشمل كتابس سر الأسرارس، وكتابس التدبير زيشرح فيه تحضير المواد الكيمياوية، وأهم الأدوات المستخدمة في ذلك.
ومن أقوال الرازي المأثورة: “الحقيقة في الطب غاية لا تدرك، والعلاج بما تنصه الكتب دون إعمال الماهر الحكيم برأيه خطر. ومنها: العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض، فعليك بالأشهر مما أجمع عليه ودع الشاذ، واقتصر على ما جربت، ومنها: ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يوثق به من الأطباء، فخطوه في جنب صوابه يسير جدا. ومنها: إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة . ومنها: عالج أول العلة بما لا يسقط القوة، وما اجتمع عليه الأطباء وشهد عليه الناس وعضدته التجربة فليكن إمامك. :”