تفوق الأندلسيون في ميدان وصف الطبيعة على شعراء المشرق ، واتوا بالروائع الخالدة ؛ لما وهبهم الله من طبيعة ساحرة خلابة ، فقد كانت الاندلس من أغنى بقاع الدنيا منظراً واوفرها جمالاً ، ولذا شعف الاندلسيون بها ، فاقبلوا يسرحون النظر في خمائلها ، ويستمتعون بمفاتنها ، فوصفوا الرياض والبساتين ، والأشجار والثمار ، والازهار والطيور، ووصفوا السحاب والرعد ، والبرق والطيف ، والأنهار والبحار ، وقد وصفها ابن خفاجة بقوله :
يا أهل اندلس لله دَرُكَ ماء وظل واشجارُ وَأَنّهار
ما جنة الخلد الا في دياركُمْ وَلَوْتُخيّزت ، هذا كُنت أختار
1- عوامل ازدهار شعر الطبيعة في الشعر الأندلسي ؛ و ازدهار الحضارة العربية في الاندلس ازدهارا كبيرا وهذا الازدهار شمل جميع جوانب الحياة الاندلسية. و جمال الطبيعة الاندلسية التي افتتن بها شعراء الاندلس وتعلقوا بها وفضلوا في وصفها والتغني بمفاتنها. و ازدهار مجالس الانس والبهجة حيث كانت هذه المجالس تُعقد في أحضان الطبيعة
۲- اهم شعراء الطبيعة الأندلسية :
ابن خفاجة، وابن زيدون، وابن رشيق، وابن شهيد، وابن الزقاق البلنسي، والرصافي الرفاء ، وابن زمرك. ولم يكن هولاء الشعراء وحدهم الذين فتنوا بالطبيعة، ولكننا نجد اكثر شعراء الأندلس يتجهون الى الطبيعة ويتغنون بها، ووصل بهم الامر الى اضفاء الحياة عليها ، و ذلك يقول الدكتور فوزي عيسى مبيناً اثر الطبيعة في شعراء الاندلس: فتن شعراء الأندلس بطبيعة بلادهم، فتوافروا على وصفها، واكثروا من التغني بمناظرها الجميلة، وعبروا عن كلفهم بها في لوحات شعرية بديعة، وتفننوا في هذا المجال تفننا واسعا حتى صار وصفهم للطبيعة من اهم الموضوعات التي طرقوها، واحرزوا قصب السبق فيها على المشارقة وقد مزج شعراء الاندلس الغزل بالطبيعة، وخير من فعل ذلك من الشعراء ابن زيدون وعبر عن مشاعره لولادة بقافية بعثها اليها وهو مختبئ في الزهراء:
اني ذَكَرْتُك بالزّهراء مُشتاقا والأفق طلق وَمَرّاى الأرض قد راقا
وللنسيم اغتلال أصائله كأنما رَق لي قاتل اشفاقا
والرّوض، عن مايه الفضي، مُبتسم كما شققت، عن اللباتِ اطواقا
يوم، كايّام لَذَاتِ لَنَا انصرمت بتنا لها، حين نام الدّهرُ سرّاقا
نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه، حتى مال أعناقًا
كان اعينه، اذ عاينت ارقى بَكت لِما بي فجال الدمعُ رَقرَاقًا
ورد تالق، أضاحي منابته فازداد منه الضحى ، في العين، اشراقا
سرى ينافخه نيلوفر عبق وسنان نبه بها لصبح احداقا
كل يهب لنا ذكرى تشوقنا اليك، لم يعد عنها الضد ان ضاقا
لاسكن الله قلباً عق ذكرَكَم فلم يطر، بجناح الشوق، خفاقا
لوشاء حملي نسيم الصبح حين سرّى وافاكم بفتى أضناه مالاقي
لوكان وفي المني في جمعنا بكمْ لكان من اكرم الايام اخلاقا
با علقي ألأخطر، ألاسنى ، الحبيب الى نفسي، اذا ما اقتنى الاحباب اغلاقا
كان التجازي بمحض الوَدَ، مُد زمن ميدان انس، جرينا فيها طلاقا
فألان، احمد ما كنّا لعهدكم سلوتُ، وبقينا نحن عشاقا
معاني الكلمات:
طلق: بهي جميل.
راقا: اعجب الناظر وسره. والالف للروي.
اعتلال: مرض. اصائل: الوقت بين العصر والمغرب وجمعها اصال واصائل واصل واصلان والمفرد: اصيل.
الاشفاق: من الرأفة والرحمة.
الروض: مفردها الروضة وهي ارض مخضرة بانواع النبات وتجمع على روض ورياض وروضان وريضان.
مبتسم: متفتح يشبه طوق الثوب عند فتحة العنق اعلى الصدر.
اللبات: جمع مفردها لبة وهي موضع القلادة من الصدر.
أطواق: جمع مفردها طوق وهي ما يحيط بالعنق من الثوب.
يستميل: يجذب النظر اليه.
جال الندى فيه: امتلأ منه فمال عنقه.
أرقي: سهري.
بكت: انهمر منها الماء فكانه دمع يترقرق.
الرقاق: متلاليء لامع.
تالق: لمع.
ضاحي مانبته: ظاهر وبارز المنبت للشمس.
نيلوفر: ضرب من الرياحين ينبت في المياه الراكدة ويورق على سطحها وله زهر يتفتح في النهار وينام في الليل.
عبق: منتشر الرائحة.
وسنان: من الوسن وهو اول النوم ويقصد نعسان ونعس.
نبه: ايقظ.
احداق: مفردها الحدقة وهي سواد العين الاعظم. جمعه حدق وحدقات واحداق وجداق.
يهيج: يثير.
لم يعد: لم يجاوز.
عق: لم يبر واستخف.
خفاقا: متحرك.
سرى: ذهب ليلا.
اضناه:اتعبه.
– المعاني ؛
يصور ابن زيدون في هذه الابيات مغاني الزهراء الفيحاء ، وقد أخذت بلته أرضها ، وما زخرت به من جمال ، وذلك النسيم العليل الذي يهب رقيقا وكانه يشاركه مشاعره فاعتل اشفاقا عليه . اما الروض فقد بدا ماوه الفضي لامعا انه ثغر ابتسم فبدت اسنانه البيض ، فخيّل الى الرائي كان أطواقاً انشفت فظهر ما خلفها من نحور الحسان.
وتعود به الذكرى الى تلك الأيام المنصرمة حينما كانا يعيشان في صفاء ، ويستمتعان بالزهر الذي يترقرق فيه الندى وقد مالت اعناقه ، كانه دموع تحدّرت بين اوراقه ، وهذا الورد يلمع فازداد به الضحى جمالاً واشراقاً ، والنيلوفر يفاخره في رائحته العبقة ، وقد نبه الصبح اعينه التي غلبها النوم .
وهكذا يستمر في وصف ما حوله من روعة اخاذة تهيج ذكرياته ، حتى يصل الى بغيته وهو مناجاتها بقوله : أن نسيم الصبح لوحَمَلَهُ لَمَا حمل الا جسما اضناه واهزله ما لاقي من سجن وتعذيب والام فراق.
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.
