لغة عربية
النقد من خلال الحكاية المثلية والنادرة
النقد الاجتماعي من خلال:
الحكاية المثلية والنادرة
تعتبر الحكاية المثلية والنادرة من الأشكال السردية المتأصلة في التراث النثري العربي القديم، تختلفان طرائق السرد وتلتقيان في الغايات النقدية والإصلاحية . فالحكاية المثلية جعلت الأحداث تدور على السنة البهائم والطيور من حيث هي أقنعة لشخصيات آدمية محمّلة بأراء وسلوك تعكس واقع عصر ابن المقفع رغم الزعم بأنه ترجمها عن الفارسية بعد نقلها عن الهندية، كما أنه خرج من مطرق العرب و السرد بواسطة الرواية، فهو لا يستقي الحكاية عن رواة بل العبارة التي تفتتح فعل السرد هي : (زعموا أن .) ومنها يتفرع القص إلى حكايات صغرى مضمنة من أجل غاية أخلاقية تعليمية، أما النادرة فقد أرادها الجاحظ، واقعية في أحداثها وشخصياتها، أسلوبها ساخر يهدف إلى إصلاح الحياة الاجتماعية في عصره وتقويم مظاهر السوء والفساد فيه الحكاية المثلية عند ابن المقفع إن ترجمه كتاب كليلة ودمنة تدل دلالة واضحة أن ابن المقفع وضع نصب عينيه الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية التي كانت سائدة و عصره، فأبو جعفر المنصور حاكم مستبد قاس في أحكامه، لا يتورع عن البطش والتنكيل والاستبداد حتى بأفراد البيت العباسي، كل ذلك يشير إلى أن ابن المقفع استمد من عصره ومن شخصية المنصور ومن موقعه هو مفكرا العناصر الأساسية في كتابه .. فإذا (دبشليم) هو نفسه المنصور وإذا بيدبا ) هو ابن المقفع .. وإذا الأوضاع العامة في بلاد الهند على عهد رديشليم ) هي نفسها أوضاع البلاد العربية إبان الخلافة العباسية .. ويصبح الرمز الذي استعمله ابن المقفع هو حل مبطن لما كان يجري في عصره .. ذلك أن المباشرة في مثل هذه الأوضاع تودي بأصحابها وتفتك بهم .. وبالفعل، فقد دفع ابن المقفع، عن سبيل هذه المواقف، حياته .. فكان بذلك مفكرا ذا قضية اجتماعية وإنسانية .
ولعل ما يشير إلى ذلك إشارة واضحة، حديثه عن (دبشليم) بعد أن توج ملكاً. ( فكان أن طغى وعتا وتجبر وعبث بالرعية واستصغر أمرهم وأساء السيرة فيهم .. وعلى ذلك فإن المنصور يلزمه (بيديا ) آخر يوجهه ويردعه عن غيه : وكان في زمانه (زمن ديشليم) رجل فيلسوف فاضل حكيم يقال له بيديا ، فلما رأى الملك وما هو عليه من الظلم للرعية فكر في وجه الحيلة في صرفه عما هو عليه ورده إلى العدل والإنصاف..) (مقدمة كليلة ودمنة) ومن هذا كله يتضح ما ذهب إليه ابن المقفع فالبهائم ليست إلا أقنعة رمزية تعبر عن مواقف الآدميين .. أقنعة تخفي وراءها جملة من التناقضات التي تعيش جنباً إلى جنب في المجتمع الواحد الذي يحتال الناس فيه بعضهم على الآخر، ويظلم فيه القوي دون رادع به، ويستي الحاكم .. ويصبح الفيلسوف الرجل الخطير في المجتمع، لأنه يسلط الأضواء على المظالم، وعلى المأثم والشرور .. ذلك الفيلسوف هو ابن المقفع ..والذي سلط عليه الضوء ليس إلا المنصور، ولا يستبعد أن يكون كليلة ودمنة ) سببا مباشرا ملالك الرجل لما كان عليه من جرأة و كشف عيوب المنصور ومثالبه .
ولذلك يُعتقد أن ابن المقفع قصد إلى اختيار هذا الكتاب لينقله إلى العربية: لغاية أخلاقية سياسية متحسساً بذلك حاجة عصره إلى الإصلاحالنادرة في أدب الجاحظ. يقول الجاحظ : ” والله ما تركت النادرة ولو قتلتني ،” فالنادرة كانت أسلوبه السردي الذي اعتمده للنفاذ إلى قضايا عصره الأجتماعية منها والسياسية ، وهي شكل سردي شاع في الأدب العربي قديماً، تواترته الروايات أو ابتدعه الكتاب، وكان الجاحظ من بين الذين أسسوا هذا الشكل السردي وضمنه في جميع مؤلفاته ..
أ. صورة المجتمع في عصر الجاحظ
رسم الجاحظ، من خلال نوادره ، ورسائله، صورة عن المجتمع العباسي وما انتشر فيه من آفات اجتماعية مثل :
– المجون واللهو .
– الشعوبية ، وهي تعصب كل شعب لقوميته وحضارته ضد العرب .
– الصراع بين القبائل العربية (وخاصة بنوهاشم وبنو عبد شمس في صراعهم على الخلافة ) .
– ظاهرة الزهد والمبالغة في إظهار التدين والورع.
– البخل الذي اتسم به خاصة أهل خراسان من الفرس ،
ب – مذهبه الجاحظ الأخلاقي والاجتماعي ::
– الدعوة إلى الاعتدال ،
– الاهتمام بالأخلاق العملية وهي : التقوى، والحذر والتنبه للأمر والتفكر بالعواقب، الابتعاد عن التبذير أو البخل وحفظ اللسان، والصداقة التي يعتبرها الجاحظ أثمن ما في الحياة .
– الوقوف لا وجه الشعوبية التي كانت تدعو إلى التناحر بين الناس، ودعوته في المثال إلى المساواة والعدل والإنصاف.
– انتقاد كل مظاهر التطرف في الدين أو الإنفاق تبذيراً أو بخلاً .
ج- خصائص منهج الجاحظ
نقد مجتمعة :
– النقدية : فهو يصدر عن روح نقدية ساخرة ، رائدها التقويم والهداية، وهو ما يظهر خاصة في النوادر
– الجدلية ، وتقوم على النظر إلى أي مسألة من زوايا متعددة فهو يعتبر أن معالجة قضية من زاوية واحدة تؤدي إلى القصور
٣- الاستقرائية : وهو النظر إلى الوقائع الجزئية لاستخراج الأحكام الكلية، فالجاحظ لا يصدر حكماً في قضية أو ظاهرة
إلا بعد تأمل تفاصيلها وجزئياتها
– الشك ، وهو الطريق عند الجاحظ للوصول إلى اليقين
– الاستطراد ؛ وهو أسلوب الجاحظ في معالجة قضايا عصره، فهو لا يلتزم موضوعاً محدداً، بل يتنقل من حديث إلى غيره،
ويضمن النوادر حتى مواقف الجد حتى لا يشعر القارئ بالملل أو الضجر.
– الواقعية ، وتظهر التزامه بمشاكل عصره، فالموضوعات التي عالجها استقاها من صميم ذلك العصر، |
۷- العقلائية ، وتجلت في تحكيم العقل عند معالجة كل قضية علمية أو اجتماعية، |
۸- السخرية : عالج من خلالها كل الموضوعات، ووجه بواسطتها نقده إلى مظاهر اجتماعية أو فكرية في عصره . فالضحك
عند الجاحظ أنفع للجسم والروح من الكآبة والبكاء … ويطرد الملل والضجر ..
خلاصة :
تلك أهم مظاهر النقد الاجتماعي عند ابن المقفع من خلال الحكاية المثلية التي اتخذت من البهائم والطيور أقنعة
المعالجة قضايا العصر، وعند الجاحظ من خلال النادرة التي اتخذت أبطالها من صميم الحياة اليومية ليكونوا أصدق ممثلين
عن ذلك العصر الذي عاشوا فيه .
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.