لغة عربية
ادب المقامات
١- ما المقامة:المقامة شبه قصة قصيرة ، تدور حول بطل وهمي، يروي اخباره راوية وهمية ايضا ، وبطلها رجل احكم التحيّل وقصر همه على تحصيل الطفيف من الرزق ، فكانت اخباره كلها تدور حول الكدية والخداع ، والاحتيال والتمويه ، لا تربطها وحدة موضوعية ولا تحييها شخصية حقيقية . وهي ميدان لعرض النكتة ، واظهار البراعة في التخلص من مازق الحياة بطرق ملتوية ، وبنوع خاص لاظهار المقدرة اللغوية والأدبية ،
٢- تاريخ فن المقامات:
اختلف المورخون والادباء في تاريخ فن المقامات اختلافا شديدا ، فذهب الحريري والقلقشندي وغيرهما الى ان البديع هو واضع هذا الفن ، قال الحريري وبعد ، فانه قد جرى ببعض ائدية ألادب، الذي ركدت في هذا العصر ريحه ، …. ذكر المقامات التي ابتدعها بديع الزمان وعلامة همدان …. وقال القلقشندي : ان اول من فتح باب عمل المقامات علامة الدهر و امام الادب البديع الهمذاني . ولكن ألارجح أن فن المقامات نشا تدريجيا من رواية القصص والأخبار، وان للبديع الهمذاني فضل تنظيمها، ووضعها في شكلها الفني الخاص، فكانت المقامات صدى لحرفة الكدية الشائعة االك ، وصورة الحياة المكدين ، وكانت في اسلوبها خاضعة للذوق الأدبي العام الذي كان يكلف بالسجع والمحسنات البديعية ، ويميل الى تضمين النثر حكما واشعارا وامثالا .
٣- قيمة المقامات:
ليس للمقامات عموما قيمة قصصية حقيقية وان وضعت في القالب القصصي ؛ لأنها خلت من اهم مميزات القصة اي العقدة ، كما خلت من الشخصيات الروائية الممتازة، وتحليل نفسياتها، ودرس اخلاقها ، فهي بمجلمها حيل تفسر حياة مُتكدّ ، الفت على صورة واحدة ، وفيها انصراف عن الموضوع الى ألاسلوب ، وعرض للموعظة أو النكتة المستملحة والالغاز اللغوية والنحوية لغة جزلة كثيرة الغريب ، و اسلوب مسجع.
كانت المقامات صورة جزئية لحياة العصر الذي فشت فيه عادة التلصص والكدية . وقد جاء مرارا على لسان ابي
الفتح الاسكندري ، ذم للعصر الذي اصبح فيه الحمق خيرا من التعقل :
هذا الزمان مشوم كماتراه غشوم
الحمق فيه مليح والعقل غيب ولوم
والمال طيف ولكن حول اللام بحوم
4- اصحاب المقامات :
فتح بديع الزمان الهمداني باب فن المقامات واسعا فولجه بعده كثيرون ، بل قلما مرّ اديب من الأدباء المعروفين ، منذ عهد الحريري الى اواخر القرن التاسع عشر ، الا طرقه ، ولكن اشهر من عرف بذلك الفن، وبرع فيه ، ثلاثة : بديع الزمان الهمذاني وابو محمد القاسم الحريري في العهد العباسي ، والشيخ ناصيف اليازجي في عهد النهضة.
5ـ مقامات الهمداني :
بلغنا من مقامات الهمذاني احدى وخمسون مقامة طبعت في الاستانة سنة ۱۲۹۸هـ ، ثم في بيروت مشروحة للشيخ محمد عبده سنة ۱۸۸۹م.
ا. موضوعاتها ، تتناول مقامات الهمذاني الموضوعات الأدبية واللغوية ، والكلامية والاخبار .
ب۔ راويتها وبطلها : راوية مقامات الهمذاني هو عيسى بن هشام ، وهو رجل اسفار واحتيال على الزمان الفشوم ، أما بطلها فهو ابو الفتح الاسكندري وهو رجل عقل وثقافة واسعة ، يقول الشعر الرائع ، ويسلك اوعر المسالك في اللغة ونقد الأدب ويخرج منها خروج العالم … وقد خير الحياة وذاق حلوها ومرها ، وسعى في الاحتيال على الدهر القاسي بطرق شتى للكدية ، ووقف في سبيل ذلك مواقف شتى، فكان خطيباً يلقي على الجماهير درر اقواله تارة، ومشعوذا يسحر الناس بمضحكاته ومكره واكاذيبه تارة اخرى .
وقد حمل ابوالفتح الاسكندري على سلوك هذه الطريق ، دهر قسا عليه كما قسا على غيره من أهل العلم والادب ، فتصعلك وتسوّل ، وانحدر الى هوة الكدية ، وجعل حياته كلها سلسلة من الاسفار، والمغامرات في طلب المال ، فلم يترك بلدا في العراق وفارس، وسجستان، وخراسان، وقزوين، وطبرستان، وارمينية، وبلاد العرب.
وتقلب مع الزمان … لذلك نراه في المقامة الساسانية زعيما لجماعة بني ساسان ، ونراه في المقامة الخمرية اماما يصلي في الناس ، وفي القزوينية متنكرا في زي الغزاة المجاهدين ، وفي المقامة القردية يرقص قرده ويضحك الناس ، وفي الموصلية دجالا يدعي احياء الموتى ، وكل ذلك عملا بالميدا القائل : الغاية تبرر الوسيلة .
أن بعض مقامات بديع الزمان الهمذاني تتسع لبعض القصص الطريف النابض بالحياة والذي لا يخلو من متعة . فالمقامة المضيرية والمقامة الأسدية مثلا حافلتان بألاسلوب القصصي الشائق ؛ ولكن ذلك الأسلوب يثقله من حين الى اخر التطويل والتكلف ، وتطلب الزخرفة ، والاهتمام بالناحية التعليمية .
© موقع كنز العلوم. جميع الحقوق محفوظة.